جمال جصاني
البعض ممن اعمته مشاعر الكراهة والاحقاد ونزوة استحصال الثارات الصدئة الممزوجة بدعم وتعضيد البعض من دول الجوار وما خلفهم، يرون في مشهد التمزق الذي يعيشه هذا الوطن القديم (العراق) غاية ما يصبون اليه بوصفه بلسماً لتحقق تلك الاوهام التي رسمتها خربشاتهم البائسة،
من دون ان يدركوا حقيقة ان ضياع العراق يعني عودتهم جميعاً الى حيث المغارات الشاحبة وبالتالي الخضوع التام لعرابي الخرائط الجيوسياسية الجديدة للمنطقة. هذا ما نضح على سبيل المثال لا الحصر في ثاني مدن العراق (الموصل) عندما عد غير القليل من سكانها غزوة داعش لها بوصفها تحريراً، من دون ان يشعروا بنوع الجحيم الذي انحدروا اليه وهم سكان مدينة كان يفترض بها ان تضع قسطها المهم والنوعي في بناء وتقويم التجربة السياسية الفتية في عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية.
كذلك هو الحال مع سكان اقليم كردستان وخاصة غير القليل من زعمائهم الحاليين من الذين لا يخفون سعادتهم بفتوحات داعش الاخيرة. طبعاً هذا لا ينفي حماقة وسذاجة الادوار التي انتهجتها احزاب وحوانيت الاسلام السياسي، حيث صبت الزيت على بؤر التوتر الموجودة اصلاً، لتشتعل الحرائق التي خرجت اليوم عن سيطرتهم الى تضاريس لا يدرك ابعادها الا الراسخون في حقول الخرائط السرية.
العراق اليوم يواجه منعطفاً مصيرياً وتحديات لا تنفع معها الحلول الترقيعية، ولا عطابات المصالحة والشراكة وفزعة المهرجانات الاستعراضية البائسة. يحتاج الى ما يشبه المعجزة للنجاة مما يرسم له من سيناريوهات تستهدف وجوده ومستقبله،
خاصة مع وجود هذا النوع من القوى السياسية المتخلفة الكفيلة بقضم افضل البلدان واثراها ببلاهتها وشراهتها غير المحدودتين. كما لا يمكن لنا الاشتراك في الفصل الجديد من الهلوسات التي تدعو الى اجتراح معجزة الانقاذ والتغيير عبر تغيير شخصية رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي وكأن بقية الحيتان العرقية والطائفية والفلولية من جنس الملائكة أو من رفاق المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا..؟!
لم يعد لدينا المزيد من الوقت والامكانات لنهدرهما قبل الضياع الكبير الذي ينتظرنا جميعاً من دون تمييز،
وعربات قطارنا المشترك ستهبط بالسرعة نفسها الى جوف الهاوية التي لن ينفع في قعرها الحسرة والندم. وان كان لا بد من الانفصال على وفق خارطة الاورام الملتهبة حالياً، فليكن بعيداً عن زعامات الشراهة والتشرذم وبما يخدم المصالح الحيوية لشعوب وقبائل وملل هذا الوطن المنكوب بقراصنة المشهد الراهن، الذين لا تشير بوصلتهم المعطوبة لغير المغارات المعتمة بديلاً عن أقدم الاوطان.