مجلة الجديد في عددها السابع والعشرين..
علي حسن الفواز
تواصل مجلة الجديد الصادرة في لندن دأبها على اثارة السؤال الثقافي العربي، واستشراف أفق التواصل والحوار لمواجهة تحديات الواقع العربي، واستحقاقاته على مستوى التعاطي مع تمثلات الصراع الحضاري والإنساني، وصدور العدد 27 / نيسان 2017 يعكس جدّية هذه المجلة في أنْ تجاوز هاجس المغامرة، لتؤسس لها تقاليد حضورٍ فاعل في جغرافيا الثقافة العربية..
كلمة رئيس التحرير الشاعر نوري الجراح(النخب الى الصراع، والمجموع الى المصارع) تضعنا أمام عتبة السؤال الانطولوجي الباعث على الكشف، وعلى مواجهة ما باتت عولمة السياسة وعولمة الثقافة تطرحه، بوصفه تمظهرات للرعب والوهم والخديعة، مثلما هي استهلال لمناقشة ظاهرة صعود اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا، وما على المثقف العربي كما يرى الجراح سوى تبني مشروع(الكلمة الناقدة) كخطاب تنويري، والذي لا يساوي (بين الجلاد والضحية، ولابين الجلاد والثائر)
وفي مقاله عن(السلطان العاري/ الفائض عن الاستبداد الشرقي) ينحني الناقد خلدون الشمعة على مقاربةِ مقارنةٍ لظاهرة الاستبداد، من خلال طبائع سرديات الحكاية، واستبدادات الترجمة، والسلطة، والآخر المتعولم والاستعماري بحثا عن وعي الوجود وعن حرية في (تفنيد هذا التأطير العنصري) ولموضعة فهمِ كلّ تداعيات التوحش الذي تُنتجه هذه الاستبدادات..
وتأخذنا الباحثة هند عبد الحليم محفوظ عبر دراستها(الفريضة الغائبة في آليات الاستبداد الشرقي) الى سيرة هذا الاستبداد في تاريخ السلطة العربية، وفي تمثلاتها الثقافية، والرمزية، بوصفها تعبيرا عن قوة السلطة التي أخضعت الخطاب الى نسقها الحاكم، وحاولت أنْ تستقرأ علائق الاستبداد و(طبائعه) بمظاهر القهر والقمع و(التنطّع بالدين) والتي انعكست سلبا على فهم الحداثة، وعلى توظيف الثورات لصالح قيم الحرية ومواجهة ذلك الاستبداد و(الافلات من قبضة البنية ذات التمركز الديني)..
ملف المجلة الفكري حول(الظاهرة الترامبية) في قراءاتها العربية يُشير عبر اوراقه البحثية التي كتبها العديد من المثقفين العرب الى تأثير هذه الظاهرة على واقعنا العربي، بوصفها جزءا من تمثلات القوة التي تحكم العالم، وطبيعة تأثيراتها على سرديات التنوع الثقافي والأثني، فقد كتب جاد عبد الكريم الجباعي عن(لحظة ترامب أم لحظة احتضار العولمة) كونها (مسألة تتجاوز نتائج الانتخابات والمثالب التي تُنسب الى ترامب، فليس انقسام المجتمع الامريكي على نتائج الانتخابات سوى اشارة الى أزمة عميقة، لا في الولايات المتحدة فقط، بل في النظام الرأسمالي العالمي، ونسق العلاقات الدولية أو النظام الدولي)
وكتب أحمد برقاوي عن( قراءة في صعود ترامب) كاشفا عن دلالات هذا الصعود، على المستوى السياسي العالمي، وتخندقات قوى اليمين في امريكا وأوروبا، فضلا عن ما تعكسه من آثار سلبية على(المزاج السياسي، بوصفه مزاج مواجهة، وليس مزاج دول تتعايش في قرية واحدة) بعيدا عن الطبائع التي اتسمت بها الرئاسات الأمريكية السابقة..
ويذهب الباحث نجيب جورج عوض الى مقاربة ظاهرة(الاستبداد المُعولم) عبر قراءته للرئاسة الترامبية، وتمظهراتها في تغليب النزعات الشعوبية، وفي استدعاء روح العسكرة، فضلا عن (الغرق في فوضى عنصرية ومجتمعية مخيفة وسوداوية على أصعدة عدّة، لم يتورع دونالد ترامب عن الافصاح دون مواربة أو دبلوماسية عن قناعته ومواقفه ورؤاه ورغباته) وبإتجاه وضع العالم أمام تحديات سياسية وثقافية أكثر رعبا، وأكثر اثارة للجدل والمفارقة..
ويسلّط الباحث خطار أبو ذياب في مقاله( من المكارثية الى الترابية) الضوء على اشكالية هذه الظاهرة، وطبيعة ارتباطها بمظاهر(العداء لحرية الهجرة، والعداء للآخر، ثقافيا ووجوديا، عبر تحبيذ خطاب القطيعة) والذي سبق وأنْ أفرزته الظاهرة المكارثية، من أفكار تقوم على معاداة الشيوعية، والحرب الباردة، وصولا الى ظاهرة صعود المحافظين الجدد، والحرب على الإرهاب..
وتضمن هذا الملف كتابات للباحثين إبراهيم سعدي، وأيمن بكر، وبشير ربوح، وآراء عابد الجرماني، ومحمد حياوي، ومحمد عبد الناصر، وفادي قدري أو بكر، ورشيد غويلب، سلام سرحان، ومحمد جبير، وأحمد سعيد نجم، وثابت الأحمدي، اشتغلت على مقاربة الظاهرة الترامبية، بوصفها تعبيرا عن جملة من التحولات التي استغرقت النظام العالمي ثقافيا واقتصاديا، وفي سياق تعولمه، وتمثلات الضد في العلاقة مع الآخر، وعبر صعود اتجاهات اليمين المتطرف، والتبشير بسياسة القوة، والسيطرة، والبحث عن الأعداء القدامى، بما فيها صور العداوة الايديولوجية، تلك التي بات يواجه رهابها العديد من الجماعات العربية، وبعض الدول التي وجد مواطنوها أنفسهم أمام توصيفات أمنية وسياسية وأنثربولوجية..
احتوى العدد على مجموعة قصائد للشعراء محمد الأشعري، وأحمد النسور، آلاء أبو الشملات، حاتم الانصاري. كما كتب في باب في النقد التشكيلي فاروق يوسف مقالته عن أربعة رسامين من تونس، وضم العدد- أيضا- مقالات أخرى للباحثين( السيد القمني، محمد غنيم، حميد زنار) فضلا عن ما نشره عبد الله مكسور لفصلٍ من روايته في باب قص، وعباس علي عبود في باب المشهد، وهشام بستاني في باب مسرح..
وفي باب(أصوات) نشر العدد أصواتا أدبية للكتّاب الجدد( رنا زكار، نزار عثمان، أحمد اسماعيل اسماعيل) كما ضم باب (كُتب) عددا من المتابعات النقدية للإصدارات الجديدة، حيث كتب هيثم حسين عن كتاب(طبائع) لليوناني تيو فراست، وشكيب كاظم قراءة لرواية علي الشوك( السراب الأحمر) وكتب خالد حسين عن رواية ابراهيم الجبين(عين الشرق) وكتب سعيد أبو عيطة قراءاته لرواية البشير الدامون(حكاية مغربية) كما قدّم الروائي عوّاد علي في باب(المختصر) متابعات لصدور عدد من الكتب الجديدة في المكتبات العالمية…