جوار ساخن

تحتم الجغرافية في العراق انتهاج سبل معتدلة في التعاطي مع المشكلات الداخلية والاقليمية والدولية ومنذ نشوء الحضارات في بلاد ما بين النهرين بقيت ارض العراق في زمن السلم ميداناً للتلاقي بين الامم وفي زمن الحرب مطمعاً لامبراطوريات ودول غازية ومستعمرة وتشكل في هذه البلاد نسيجاً متنوعاً من الديانات والقوميات والمذاهب وحافظت الشعوب والقبائل التي هاجرت وسكنت العراق بروابط الاتصال مع اصولها في الامم الأخرى ولطالما وصف العراق بأنه امة تشكلت عبر التاريخ واحتل مكانته بين الامم الأخرى مؤثراً ومتأثراً بكل الاحداث التي شهدتها المنطقة ومن ابرز معالم تشكل هذه الدولة في التاريخ الحديث هو حدوده الجغرافية في رقعة من الشرق الاوسط تقاسمت النفوذ فيها امبراطوريتان عظيمتان هما الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الفارسية وترك الصراع بينهما آثاراً كبيرة على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليس على العراق وحده فحسب بل على جميع الدول العربية والإسلامية القريبة لهاتين الإمبراطوريتين.
واسهم الصراع الديني والسياسي بينهما في تبلور وظهور الطائفية في العراق بتراتبية زمنية وبتوظيف سياسي مقصود أحياناً وغير مقصود في احيان أخرى وبقيت ملامح الانقسام والولاء للاتراك والإيرانيين واضحة في العراق خلال العهد الملكي حتى استقلال العراق عام 1932 وتبؤه مقعده بين الامم ونيله العضوية في الأمم المتحدة.
ومع دخول هذا البلد عصر الانقلابات الدموية وانبثاق الحكومات الجمهورية حيث اشتدت ملامح الصراع الداخلي بين الاقطاب السياسية التي حكمت العراق ومعارضيها في الداخل والخارج وتناغمت هذه الصراعات مع دول الجوار العراقي وتأثرت كثيراً بالمد القومي حيناً وبالمد الاسلامي حيناً آخر مثلما تأثرت ايضاً بتشكيل التحالفات العربية والاقليمية التي رافقت الحروب التي خاضها نظام صدام مع ايران والكويت ومنذ سقوط النظام المباد ومرور خمسة عشر عاماً على ارساء النظام الديمقراطي الجديد في العراق تحاول الحكومات العراقية المتعاقبة تقفي طريق الاستقلال والنأي عن الصراعات الاقليمية بين دول الجوار الساخن الذي لانبالغ ان قلنا بأنه جوار لاشبيه له في مناطق جغرافية أخرى في العالم فهو يحمل من التناقضات والاختلافات مالا يحمد عقباها على العراق ومامن بلد تشابكت مصالحه مع مصالح الدول الأخرى مثل العراق فهو محاط باقطاب متنافرة ويشكل موقعه ومكانته محط اهتمام للدول الكبرى ومايجري فيه ومايجري في جواره من احداث تنعكس بنحو مباشر على الشعب العراقي وعلى الشعوب الأخرى مما يستلزم الحيطة والحذر في اعلان أي موقف او اتخاذ أي قرار يتعلق بهذه الأحداث ولربما كان مايجري في سوريا اليوم مثالا حياً لكل هذه المعطيات .
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة