البغدادي الأصبهاني أول من أرخ للموسيقى والغناء والخمرة

طارق حرب
يعد ابي فرج الاصبهاني المولود عام 284هـ والمتوفى في بغداد عام 356هـ اول من أرخ للموسيقى والغناء والخمرة.
وقد نشأ الاصبهاني في بغداد واستوطن بها وكانت داره واقعة على نهر دجلة في المكان المتوسط بين درب سليمان ودرب دجلة وكانت داره ملاصقة لدار ابي الفتح البريدي وزير الخليفة العباسي الراضي اصبهاني الاصل بغدادي المنشأ والفكر يوم كانت بغداد مهد الحضارة ومنبع العلوم ومنتدى الادب وكعبة العلم ومقصد العلماء. حيث أكب على الدرس والتحصيل ودأب على الكتب واتصل بأعيان بغداد من العلماء واقطاب الادب وجهابذة اللغة والرواية واقطاب الحديث.
فكان احد كتبه كتاب الاغاني وهذا الكتاب يعود فيه ابو الفرج الى سعيد بن مسجح وهو عبد من موالي بني مخزوم حيث كان اول من غنى في صدر الاسلام .وكان حسن الصوت مغرمًا بالموسيقى والغناء واول من نقل الغناء الفارسي الى الغناء العربي ويحدد هذا صفات المغني بانه من شبع الالحان ويملأ الانفاس ويعدل الاوزان ويفخم الالفاظ ويعرف الصواب في الشرب واللهو وسماع الغناء والموسيقى .وذكر الكتاب ان يزيد بن معاوية كان يمسي سكراناً ويصبح مخمورًا ,وان الخليفة عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة واحدة وكان الوليد ابنه يشرب يوماً ويدع يوما اما الخليفة هشام بن عبد الملك فان سكره يكون في كل جمعة وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد مدمنان على اللهو والشرب اما الخليفة مروان بن محمد فانه يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت من كل اسبوع ويذكر الكتاب ايضاً ان الخليفة عمر بن عبد العزيز صنع في ايام امارته على الحجاز سبعة الحان وساق الاصوات التي غنى فيها عمر بن عبد العزيز ,اما يزيد بن عبد الملك فقد صنع في شعره غناء ويروى انه سأل المغنية حبابة عن معرفته بمن هو اطرب منه ,والوليد بن يزيد صنع اصواتا مشهورة وشرب حتى سكر ثم قال لصاحبه هات العود وغنى الخليفة احسن غناء.
ويعد يزيد بن معاوية اول من اتخذ الملاهي واوى المغنيين وشرب الخمر علناً جهاراً وان احد الشعراء طلب من عبد الملك بن مروان ان ينادمه على الشراب فأجابه أي وافق على ذلك وان الوليد بن عبد الملك كان من اكثرهم حباً لسماع الشعر ويهتز طرباً عند سماعه اما سليمان بن عبد الملك فكان يدعو من يغني له سرًا وخصص جائزة للفائز من المغنين وهذا حال الخلفاء الامويين اما الخلفاء العباسيين فان السفاح كان يظهر للندماء ويطرب ويبتهج من وراء السكارى وابو جعفر المنصور كان يضع ستارا بينه وبين ندمائه فاذا اطربه المغني يتولى تحريك الستارة والمهدي كان كثير العطايا قل من حضره الا اغناه وكان يسمع غناءه ابن جامع والرشيد كان لا يحضر شربه الا خاصة جواريه والامين كان يشرب ويسمع الغناء كثيرا والمأمون ادمن على الشراب آواخر حياته وكان الواثق اعلم الخلفاء بالغناء حيث كان مغنياً شريباً وحدد يوما في الاسبوع للقاء المغنيين.
اما المعتز فكان صاحب صنعة في الغناء وكان يرسل على عريب المغنية والمعتمد اشتهر بغنائه وفي القول لبعض العلماء في ابي الفرج الاصبهاني يقولون انه كان اخباريا نسابة شاعراً ظاهرًا بالتشيع وان عماد يصفه بانه علامة اديب نسابة كثير التصانيف وانه مرواني الاصل أي يرجع الى مروان بن الحكم لكنه يتشيع.
وقد امتاز ابي الفرج بقوة الحفظ وصفاء الذهن حتى اصبح في عصره امام المؤلفين وزعيم الادباء ورئيس الكتاب وعميد الندماء وعمدة المؤرخين وعلم المحققين بما لم يوصف مثله آخر ,كما انه امتاز بدقة التحقيق وكثرة التأليف وفي النقد كان ثابت الفكرة واسع العلم ,لكنه كان كحال غيره في معاقرة الخمرة ووصف النساء وحب الغلمان شانه شان الشعراء الذين يجتمعون في الديارات والحانات حيث يقوم الخمارون وتحت اعراش الكرم بين تطريب النادي والعود وكان في بعض دارهم يشهدون بالدنان من معتق الشراب والالت الموسيقية من مزمار وصنوج وبالمغنيين والمغنيات كزلزل وحبابة حيث يدور عليهم الساقي حاملا على راحته الزجاجات والطاسات ومن غريب عاداته انه كان وسخاً قذرًا لم يغسل ثوبه منذ فصله الى ان قطعه ومع ذلك كان محل احترام الخلفاء والملوك والامراء والوزراء وانه كان اكولا نهما وفي ذلك هو يشبه شيخه ابن نفطويه وكان يترك عمامته اشهرا ولا يغسلها ويلبسها كيفما اتفق فاذا قيل له في ذلك فانه يذكر قولا سمعه وهو (ما استوت العمة على رأس عاقل) والعمة يقصد به العمامة وكان صادق المودة الف 36 كتابا منها كتاب الاغاني هذا وكتاب مقاتل ال ابي طالب وكتاب التعديل والانتصاف في اخبار القبائل وانسابها وكتاب تفضيل ذو الحجة وكتاب اخبار القيان والاخبار والنوادر واخبار الطفيليين والحانات والخمارين والخمارات واخبار جحضة البرمكي ونسب بني عبد شمس والغلمان والمغنين وايام العرب وكتب كثيرة أخرى .
ويقول الدكتور طه حسين في وصفه بأنه بغدادي الادب كأشد ما يمكن ان يكون الاديب بغدادياً ومن شيوخ ابي الفرج دريد الازدي الذي قيل فيه انه اشعر العلماء واعلم الشعراء والطبري علامة وقته وامام عصره وابن قدامة وجحضة البرمكي الشاعر البرمكي الحاذق بصناعة غناء الطنبور والمرزبان الذي كان حافظا للأخبار ومن تلامذته الدارقطني وابو زكريا الاندلوسي وغيرهم ويروى عنه انه عندما سأله الوزير عضد الدولة عن حاله قال سأجيبك بما اجاب قبلي فحالي كحاله بين قارورتين قارورة حبر وقارورة خمرة والقول في الاصبهاني كثير بسبب ما قيل فيه من انه فاق الآخرين والاولين وانه اموي وكان يتشيع وكان في الهجاء اجود في شعره ويقول الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ان الاصبهاني عالم ايام الناس والانساب ورواية الاخبار والآداب ومدح ابن الجوزي وابن خلكان وياقوت الحموي وابن الاثير حيث اشادوا بفضائله ومدحوا مناقبه .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة