مؤيد حنون.. يكتب قصيدة الاستعارة الفائقة

يحمل الشاعر مؤيد حنون هواجسه الى اللغة، يشاطرها اللعبة، ويغور عبرها بحثا عن وجوده، رؤيته، إذ تبدو اللغة وكأنها هي المطهر الذي يأخذه للاعتراف، ويوهمه بالوجود الظاهراتي الذي تصنعه تلك اللغة..
في مجموعته الشعرية الجديدة( يسقط الحديث في باحة اليد) الصادرة عن دار تموز/ دمشق يأخذنا الشاعر الى هذه اللعبة، حيث تتحول اللغة الى استعارة فائقة لمرآة نرسيس، وتتحول رؤيته الى محاولة في تدوين أسفاره الشخصية، تلك التي تؤدّي فيها اللغة ما لاتؤدّيه العلامة، حيث يختبأ الشاعر تحت تلك الاستعارات، وينحو والى متعالياتها بحثا عن ذاته التي لاتبدو إلّا بوصفها- أيضا- استعارة كبرى..
في قصيدة(نقرات بسعة الحلم) يقترح الشاعر مثيولوجيا الاله نرسيس ليكون قناعه، أو هو محاولته في كتابة مرثاته الشخصية، إذ يُحفّز جملته الشعرية لتكون هي جملة الرؤيا، تلك التي تتضخم أو تتشوه أمام المرآة، لكنها تفضح عن اعماقه المضطربة، عن روحه اللجوجة، المسكونة بغواية البحث عن التطهير.
كان يُطيل رسوخه بالوحدة
التي تُباغت نعاسه
في الليل الطويل
روحه تطلق الاشارات..
وفي قصيدة( أكثر رهافة من النسغ الصاعد الى الحياة) يتمثل الشاعر أحلامه/ مادة الرؤيا، بوصفها غوايته الوحيدة، أو ربما لعبته في استعارة الأبجدية ومنطق الطير، و(سواد المعرفة) ليكشف عن أنْ أحلامه تلك، هي نظير وجوده، أو ربما هي الاحتمال (الذي جاء به الى هنا)
الشاعر يكتب عبر هذا الهاجس قصيدته الشخصية، القصيدة التي يستعير صورها من الطبيعة والوجود، وكأن هذه القصيدة هي رؤيته الجامعة، تلك التي تتحول صورها المُستعادة الى طبيعة رمزية، وعوالمها المحتدمة الى جملٍ أو وحداتٍ تصويرية تتمثل وجوده، الوجود الذي يتسع للعبارة، ولما تأتي به السكرة التي يصنعها (القات) مثلما تُحفّزه على استكناه أسفاره الشخصية، أسفار في الرؤيا وفي اللغة، وعبر ماتصنعه القصيدة من سفرٍ يتسع بالمقابل لإيهامات الطبيعة والوجود اللذين يقترح تمثلاتهما الشاعر..
كلُ من يراني لا يأمن لي
وكان الحجر صامتا
والقات يباهلنا
فنقتفي أثر القول
وحين دنوتُ
كان في الرجال عزمٌ للرحيل
وكان في الماء مايروق للجرار..
ولع مؤيد حنون بالجملة القصيرة، وأحيانا بالمفردة- فعلا كانت أم إسماً- تنعكس على تشكّلات المبنى التصويري للمجموعة الشعرية، فهو يجد في هذه الكتابة نوعا من التقتير الذي يجعله أكثر إتكاءً على الاستعارة، وأكثر استجلابا لحمولاتها الرمزية، إذ يحتفل بها، ويحفل بعديد تمثلاتها، وهذا مايدفعه الى أنسنة الطبيعة، عبر ممراتها وفصولها وأسفارها، وكأنه يكتب نصّ أسفاره التي غامر فيها، وعاش من خلالها الكثير من خوائها واحتضارها، والذي يشبه خوائه، أو حتى احساسه بالاحتضار..
كم من حزنٍ يتوعد أقدامنا؟
-بحجم هذا الخواء
غُرر بنا حين جئنا هذه الأرض
هل هي تحتضر؟
-كلا أني أتقلّب غيضا…
هذه المجموعة الشعرية تكشف عن براعة الشاعر في توسيع فعل الاستعارة، وفي توظيف الأسطورة والحكاية والسيرة وحتى السفر ليكون جزءا من لعبته الشعرية، لعبة وعيه الظاهراتي الذي يستعيد العالم عبر اللغة، وعبر استعارتها التي استغرقت الشاعر كثيرا..
علي حسن الفواز

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة