المقهى الثقافي في لندن والإعلام العراقي

لندن – ابتسام يوسف الطاهر:

يعد الإعلام السلطة الرابعة في الدول المتقدمة، المرئي والمقروء، بل أحياناً يكاد يكون السلطة العليا في البلدان التي تطبق الديمقراطية بصورتها الحقيقية، فنجد ان مقالا او برنامجاً ينتقد او يؤشر على موضع خلل في وزارات حكومة ما، سواء في الصحافة او التلفزيون، يمكن ان يتسبب في اسقاط تلك الحكومة او استقالة وزير ما.
لذا تعد مهنة الصحافة من أخطر المهن، ولاسيما في المناطق التي تعاني من الحروب والاضطرابات السياسية.
فالضحايا من الإعلاميين في المناطق الملتهبة تزداد مع تطور الأحداث. اما في ظل حكم الأنظمة الديكتاتورية والتي لاتعترف بالرأي الآخر، فمصير الإعلامي مرتبط بكلمة، أو أمر من قبل وزير، او مسؤول.
المقهى الثقافي العراقي في لندن عودنا مشكوراً بطرح كل ما هو مثير للجدل والمتعة في الوقت ذاته، وبالرغم من الامكانات المحدودة والمتوقفة على دعم جمهوره، الذي يعده المنبر الاهم للجالية العراقية في لندن. فقد كانت الأمسية الأخيرة التي أقامها من الاماسي الناجحة، والتي تمحور موضوعها حول علاقة الاعلام بالسلطة، لاسيما نظام البعث في العراق الذي رفع شعار «الغلطة بطلقة»، بوجه الإعلاميين العراقيين من العاملين بالصحافة، او التلفزيون، والذين يعملون تحت سطوته منذ تسلمه السلطة عام 1968.
فإن كان قد تساهل في بدايته بسبب عدم وجود ملاكات إعلامية تابعة له، فقد اغلق كل الابواب بعدما تمكن واستقوى، وصارت وسائل الاعلام ابواق دعائية له. وصار الرقيب بالمرصاد حتى لصحف الاحزاب التي تحالفت معه، ولم يتوقف عن مضايقة صحيفة «طريق الشعب» الشيوعية بحجج واهية ولأسباب أحياناً تكون مضحكة. وكذلك الحال مع جريدة «التآخي» التابعة للحزب «الديمقراطي الكردستاني» والذي لديه خمسة وزراء في حكومة النظام آنذاك.
ضيفة المقهى لتلك الامسية كانت الاعلامية السيدة فريال حسين، لتنقل لجمهور المقهى تجربتها كاعلامية في التلفزيون العراقي في والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
قدم الامسية الفنان والإعلامي فلاح هاشم، الذي نوه في مستهل حديثة الى الخسارة التي منيت بها الثقافة العراقية، برحيل واحدة من رائدات السينما والمسرح الفنانة الكبيرة ناهدة الرماح، وكذلك رحيل الملحن الفريد جورج.
وفي تقديمه الضيفة السيدة فريال حسين تحدث هاشم عن الزمالة التي جمعتهما في المؤسسة الإعلامية نفسها، وكيف كان المبدعون يحاولون الحذر والحيطة كما لو انهم يسيرون بين الألغام، خوفاً من كلمة عفوية قد تؤدي بصاحبها الى السجن، وربما الى التعذيب حتى الموت، بسبب خوف النظام من أي نأمة، او همسة قد تشير ولو على سبيل المزحة الى صورته، وقسوته، او الى سياسته الغبية التي دمرت البلاد والعباد.
تحدثت الضيفة فريال حسين عن تجربتها كإعلامية والتي بدأت بالمصادفة. فلم تخطط للعمل في ذلك المجال.
فهي خريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وعملت في صحافة الأطفال كمترجمة لقصص الأطفال الأجنبية، ولكنها في أثناء زيارتها لصديقتها التي كانت تعمل وقتها في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون العراقية. شاهدها أحد المخرجين وأعجب بشكلها، وصوتها، وسألها إن كانت ترغب في العمل في المؤسسة. لكنها ترددت وبعد إلحاح المخرج، وصديقاتها العاملات هناك، جربت الظهور على الشاشة الصغيرة، وبعد إجراء إختبار سريع حصلت فيه على موافقة مدير المؤسسة، والطاقم الفني الذي إستمع الى إلقائها وطريقة تقديمها، فكان اليوم التالي لهذا الإختبار، هو بداية عملها في المؤسسة.
اول تجربة لها في هذا المجال هو برنامج «حروفنا الجميلة»، وقد حصل على الجائزة الأولى في مهرجان التلفزيون العربي في القاهرة.
لكن اهم تجربة لها كانت عندما كلفها الفنان الراحل نوري الراوي بمشاركته في برنامجه الشهير «آفاق الفن»، لأنها كانت من المهتمات بالفنون والثقافة عموماً، فكان هذا البرنامج هو البداية التي أفضت الى برامج مهمة ومتميزة، حظيت بتقدير وإعجاب المثقفين، والفنانين، والنقاد.
برنامجها «لوحة وفنان» الذي شغلت حلقاته أكثر من 200 ساعة تلفزيونية، يعد من البرامج المميزة، والتي غطت مساحة واسعة من تاريخ الفن العراقي والفنانين، إبتداءً من الرواد، وحتى الفنانين الشباب في حينها، لكن هذا الجهد تبدد بعد الإحتلال عندما سطى السرّاق والمخربين، وضمن برنامج مخطط لينهبوا أرشيف المؤسسة، ومحتوياتها الثمينة، ويسرق تراث وذاكرة شعب ووطن.
كما قدمت الإعلامية فريال برنامج «المجلة الثقافية» التي كانت تستضيف فيه المثقفين، والفنانين العراقيين، من شتى المشارب والأجناس الإبداعية.
لكنها لم تنج من الملاحقة والمحاصرة والتضييق الذي طال المثقفين جميعا.
لقد كانت تجربة الإعلامية السيدة فريال حسين تجربة غنية، فقد حاورت اهم الشخصيات الثقافية العراقية، وقدمتهم بطريقة مميزة، وسعت جاهدة لتقدم عرضاً يتناسب مع ضيف الحلقة، وكان الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا من أكثر النقاد مرافقة لها في التعريف بهذه الشخصية، او تلك. كما سنحت لها الفرصة لمرافقة الكاتب الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا في جولته الى مواقع المعارك، في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وما لحق من خراب في بلدنا نتيجة لحماقة وخيانة النظام. وقد خرجت السيدة فريال من هذه الرفقة بإهدائها القسم العلوي من عصى ألبيرتو مورافيا، والتي تحطمت خلال تلك الجولات بين الخرائب، والدمار الشامل الذي لحق بالعراق.
أختتمت الأمسية بمداخلات للعديد من الحاضرين ، تطرقوا فيها الى تجربتهم المؤلمة مع مؤسسات النظام الإعلامية. وتطرقت الى المستوى البائس الذي تعاني منه المؤسسات الاعلامية العراقية التي تفتقر الى المهنية، والخبرة، وبعضها تفتقد الوطنية وهي تجند برامجها للتناحر الطائفي والتعصب العنصري.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة