علوان السلمان
(الشعر رؤية ما لا يرى…) .. رامبو
…الخطاب الشعري بنية لغوية ومعرفية وجمالية تفهم انساقها في اطار ما هو انساني بمعناه العام.. والنص الشعري القصير جدًا(الومضي) او قصيدة الصمت الايجابي شكل من اشكال الحداثة التي تشكل دفقة شعورية موجزة العبارة منسابة الصور المكثفة بخيالات متوهجة..انها نص تمخض من حركة التجريب السبعينية التي حدثت نتيجة التحول الفكري والفني التي رافقت الحركة المعلوماتية واشكالية التلقي التي نجمت عن العصر الذي وسمها بالتفرد والخصوصية والتركيب والايحاء مع اقتصاد لغوي ووجود رمزي..فضلا عن تجاوزها القوالب الجاهزة واعتمادها التكثيف الجملي وامتلاكها القدرة الاستفزازية المفضية للتأمل واستنطاق النص للكشف عما خلف الفاظه وصوره..مع سرعة ايقاعية وقدرة ايحائية وطاقة دلالية وميل الى الادهاش والمفارقة الاسلوبية المفاجئة..لتحقيق خطاب اتصالي يثير الانفعالات ويستفز الذاكرة عبر وحدة عضوية تشكل نسقاً جمالياً متداخلا والفعل الشعري.. الذي يجمع بين السرد الذي يوفر الفكرة في تتابع جمالي باعتماد الشخصية والحدث.. ومن الشعر استلت التكثيف والايجاز والرمز ليوفر الحالة الشعورية والجملة الموجزة..فضلا عن الانزياح الذي هو الرفض والتمرد على المألوف والمتداول مضفيًا على النص بتكوينه الموضوعي القائم بذاته دينامية حركية..كما عند ادونيس..
بكت المأذنة
حين جاء الغريب…واشتراها
وبنى فوقها مدخنة..
وباستدعاء المجموعة الشعرية(اين سيهبط بنا هذا الدخان؟) التي نسجت عوالمها النصية الوامضة ذهنية منتجها الشاعر ماجد الحسن.. واسهم المركز الثقافي للطباعة والنشر على نشرها وانتشارها/2016.. كونها نصوصاً تكشف عن قوة التدفق الوجداني وتكثيف الرؤيا بالفاظ مجازية محققة للانزياح وعمق المعنى..مع اتكاء على حقول دلالية وثنائيات ضدية لتشكيل خطاب اتصالي يثير الانفعالات وينبش الذاكرة مستدعيًا اياها لاستنطاقه..
عن اية غيمة تتحدثين؟
القيظ يبتلع الضفاف
انهار يجرها اللهب ليصعد بها الى الذبول
لا أجرؤ على الهبوط بهذا الموج..
فالحقول لا تبتكر سحنتي
وعند نهايات الحصاد…
لا اتذكر ان السماء
كانت تجهش بالغيوم /ص5
فالنص يتدفق بتراكيب موجزة..مهدرجة ضمن النسيج الشعري البعيد عن الوصف الاستطرادي بالفاظ موحية تنتمي الى المألوف اللغوي ضمن معمارية تتشكل من مقاييس جمالية..(خيال وصور بيانية ورموز شكلت مرتكز النص بابعادها الدلالية وما تحمله من طاقة ايحائية..) ..مع اضفاء دينامية حركية من خلال جدلية التناقضات(الصعود/الهبوط…) التي شكلت عنصرًا من عناصر الصورة الشعرية التي تستمد شعريتها من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..
ـ حين يموت….
عشاق البيوت المستكينة
مع من…..
تتحاور
تلك الجدران؟ / ص33
ـ الزهور…
التي تهطل قبلاتها
على ندى النافذة
هي رسائلي المذبوحة
علها تنبض في عينيك /ص35
فالنص يتدفق وجدانياً..منبعثاً من مركز دائرة الوعي الشعري التي تؤطر عوالمه الصورية ودلالاته الموحية تقنيات فنية منها الاستفهام الذي يستدعي المستهلك(المتلقي) للتحليل وتدبر الجواب بعبارات سيميائية افتراضية ممكنة.. والتنقيط دلالة الحذف الخالقة لبلاغة الاضمار والصمت..والتي تضفي بعداً تشكيلياً وتفتح باب التأويل مستدعية متلقيها لفك مغاليق النص وملء فراغاته..فضلا عن التكرار النمط الصوتي والدلالة النفسية التي من خلالها يعلن المنتج(الشاعر) عن مشاعره المكبوتة..وهناك النداء(الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكماً كثيفاً مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو النفسي..اذ فيه تتوافد الصور وتتراكم والمنتج ينسجها بعقلانية فكرية مشوبة بالخيال..اضافة الى الرمز الذي هو(اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك الشعري..)..اذ فيه ترتفع التجربة الشعرية وتسمو الى حالة من الشمول..والصورة فيه تتحول الى رؤيا.. مع اضفاء دينامية حركية من خلال جدلية التناقضات التي شكلت عنصرا من عناصر الصورة الشعرية التي تستمد شعريتها من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..
يا ايها الدم….
الذي يتسلق سرير الحقول
امسح هذا الارق
فانا ادركت ان الحياة لم تكن محراثا
الحياة..
ظل لايعرف الشراكة مع الشمس /ص51
فالنص يكشف عن قدرة رؤيوية للواقع الممزوج بالخيال الشعري الخالق لصوره الحالمة..المشحونة بشحنات تناغمت مع الحس النفسي عبر دلالات الهاجس الحسي الفاعل بفعله والمتفاعل بذاته من خلال بنى استرخائية ولغة طرية تخاطب الوجدان على وفق معيار حداثي له مهيمناته الموضوعية مع تركيز على الخصائص الحسية لابراز جماليته المنبثقة من استنطاق كينونة اللفظ الرامز وتفعيل الاثر الذهني بلغة تتماهى واللغة الشعرية..مع تكثيف العبارات الخالقة لنص يتوخى الايجاز وعمق المعنى وكثافة الايحاء..
الزهور………
التي تهطل قبلاتها
على ندى النافذة
هي رسائلي المذبوحة…
علها تنبض في عينيك /ص35
فالشاعر يترجم احاسيسه وانفعالاته الداخلية ابداعاً رؤيويًا عميقاً قوامه اللمحة التأملية المنبثقة من الصور التخييلية..مع اعتماد تقنية الانزياح واللفظة الموحية واستنطاق رموز الطبيعة وصورها…
وبذا قدم الشاعر نصوصاً تحمل رؤى وتساؤلات تعيد تشكيل الهواجس والانفعالات والمواقف ازاء الوجود..وصياغة فضاءات ايحائية باسلوب ينم عن وعي شعري…