العبادي.. والرؤوس

التعهد الذي اطلقه رئيس الوزراء بمحاربة الفساد كاولوية بعد حرب التحرير ضد داعش لا يمكن ان يُقرأ إلا في ضوء ما بلغته مسرحيات الحملة على الفساد من قبل فاسدين في مجلس النواب وخارجه، ومن بينهم، بل وفي صدارتهم، رؤوسٌ معلقةٌ في رقابهم ملفات وضحايا وتسترات جرى السكوت عليها، الامر الذي سّجل على العبادي من الرأي العام والمرجعية الدينية على حد سواء.
وقبل هذا فان مناسيب التعدي على المال العام ونهب الثروات والعقارات ومظاهر الرشوة والمتاجرة بالعقود والمناصب والوظائف ما لا يمكن تحمله في دولة تعاني من الحرب والخراب وتدني الخدمات وانتشار البطالة، والاعم انها تخوض حرباً من جنس الحروب الطاحنة التي تتخذ موصوف حرب الحياة او الموت ضد الارهاب الاحتلالي المسلح.
وبحسب التسريبات الموثقة، فقد استكمل رئيس الوزراء كل ما يلزم من اسماء ومخالفات وأوليات وصلاحيات لكي يوجه ضربة «مؤجلة» لشبكة الفساد النافذة، بدءا بالرؤوس الكبيرة في الدولة وفي الطبقة السياسية، في وقت بطُـُلت ذريعة وجود ازمة الموارد المالية الناتجة عن انهيار اسعار النفط في السوق العالمية، وتصاعد الاحتقان السياسي لمنع وضع تلك الرؤوس في الاكياس السود، وذلك ترجمة لما قاله على موقعه الالكتروني في 28 حزيران 2015 “اننا لن نألوا جهداً مهما كان في ملاحقة رؤوس الفساد” أما مرجعية النجف فقد عبرت على لسان ممثلها السيد احمد الصافي في 7 آب 2015 عن القلق حيال تمادي “احزاب السلطة” وشدد على ضرورة ان يكون العبادي “اكثر جرأة وشجاعة” وعاد الشيخ الكربلائي في 5 ايلول 2015 الى نقل رأي المرجعية بالقول ان “على اصحاب المواقع الاساسية بالدولة مهمة ملاحقة رؤوس الفساد الكبيرة».
وفيما واجه اقتصاد البلاد خطر الانهيار وتتزايد ديونها بارقام فلكية بتزايد اعباء الحرب على الارهاب فان الانظار تتجه الى رئيس الوزراء لكي يستعمل سلطته في استعادة المليارات من الاموال المنهوبة والامبراطوريات العقارية المغتصبة وثروات التهريب وشواهد النصب والابتزاز والتزوير، المسجلة على تلك الرؤوس الفاسدة وليضع تلك الاموال المليارية بمكانها الصحيح في خزينة الدولة التي تنزف مواردها باطراد، وتؤدي من جملة ما تؤدي الى توقف الالاف من الاعمال والمعامل والمشاغل والقاء مئات الالوف من العاملين الى طوابير البطالة.
وفي كل الاحوال ما تزال ماثلة كلمات رئيس الوزراء الى المتظاهرين في 7 آذار 2016 بالقول “اننا نتوجه الى ضرب اعلى رأس فساد في الدولة مهما كان منصبه وحزبه».
وكان واضحاً ان زخم التهديدات بقلع رؤوس الفساد انحسر في اجواء عمليات تحرير المدن من داعش، وقيل آنذاك ان ثمة معركة مقبلة ستضع الفاسدين الكبار امام السؤال: من اين لك هذا؟.
فهل دخلناها؟.
************
شوبنهاور:
«يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يريد ما يشاء.».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة