الكتابة للمرأة

ربما أسوأ أنواع الكتابات تلك التي تتدفق بتحريض المناسبة ! بالضبط كالذي حصل
و يحصل غالبا على شبكة التواصل الاجتماعي قبل و أثناء الاحتفاء بعيد المرأة العالمي ، سيل من الكتابات المجانية و المتناقضة حد السخرية احيانا موضوعها المرأة و بالطبع يهمنا اولا كتابات الادباء و الشعراء باعتبار دقتهم في الكتابة و حرفيتهم اضافة الى اهمية المضمون الفكري الذي ننتظره فيما يكتبون و يقولون .
أنتهز الفرصة لأفرق بين الكتابة عن المرأة و الكتابة لها ، استثمارها غرضا و موضوعا أو الانصهار في مقصدياتها عضويا باعتبارها طرفا و شريكا في الوجود الذي نحياه و ليس هامشا نتغذى على متعه دون إشراكه في فعالية صناعة المعنى التي تظل مبتورة و ناقصة بدون هذه المشاركة ، ليس جديدا ان نقول بأن المرأة ظلت قرونا خارج فعالية انتاج المعرفة و هي غرض شعري غزلي لا غير ، هذا النوع من التغزل مهما علا شأنه و قيمته يظل كتابة عنها لا لها او فيها ! و التعبير الاخير واضح الدلالة و المقصد ، الكتابة عنها في الغالب وصفية لا تقع الا على الحس و السطح لا العمق اما الكتابة لها فهي التي تلامس كيانية الوجود الانساني بإنوثته و ذكورته ، و بالعودة الى كتابة المناسبة يمكننا القول انها تكاد تفرغ من المنحى الذي نتوخاه الا نادرا اذ تغلب الشعاراتية على اغلب كتابات النساء ناهيك عن كتابات الرجال التي تسودها المجاملة او نوازع الشبق المبطن و المتستر خلف الكلمات ، هناك أوهام بهذا الصدد من بينها الاعتقاد بأن التطرف في حرية المرأة حد الإباحية يقع في خانة الرد على الفحولة السائدة بوصفها نسقا اجتماعيا و ثقافيا نعاني منه جميعا و يفوتنا هنا ان مثل هذا التطرف يعيد إنتاج المشكلة ذاتها ، مقابلة العنف الرمزي و المادي احيانا بعنف مقابل ، النبذ مقابل النبذ ! هذا الموقف الانفعالي يصدر عن نرجسية شعرية لا عن خبرة حل و دراية معرفة ..
لسنا في موضع مناكدة او خصومة بالمعنى المتعارف انما نحن إزاء مشكلة ثقافية تحتاج الى إيقاف فواعلها بعد ملامسة جذورها الحقيقية وهي جذور ضاربة في التاريخ و العقل و الثقافة وهنا لا نحتاج الى مواقف متقابلة بل الى فعالية نقدية عميقة و واعية توقف نزف الخسارة المجتمعية التي نضحي بها من جراء هذا العطب الثقافي المزمن ، هذا المنحى فكري قبل ان يكون سياسيا او نفعيا تتبناه منظمات وهمية لا تتقن غير المتاجرة بالشعارات من خلال تكريس فعالية مناسبة ظرفية ينتهي أثرها بانتهاء يوم المناسبة ذاتها او بعده بقليل و لا حصيلة سوى الاحتفال و السياحة و البهرج الزائل ، الكتابة للمرأة كتابة موقف و مسؤولية تاريخية لا تحتفي بغير الجوهر الذي نسعى الى إعادة صقله و إزالة الصدأ عن لمعانه!
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة