السالييرية.. قناع التلصص والحسد

أنمار رحمة الله

يعرف أغلب المطلعين على النتاج الموسيقي الكلاسيكي، قصة الخلاف بين موسيقي البلاط النمساوي ،الإيطالي الأصل (أنطونيو سالييري) وبين الفتى العبقري الذي لمع نجمه آنذاك (فولفغانغ أماديوس موتسات). إن لم نقرأ عنها شاهدناها في السينما ،عبر فيلم (أماديوس) المنتج عام 1984 ،اخراج التشيكي (ميلوش فورمان) ،والذي فاز بالسنة التي بعدها بجائزة الأوسكار لأفضل إخراج عن الفيلم ذاته. وبغض النظر عن الأقاويل وصحتها في تلك القصة، حيث يعرف المطلعون أن سالييري بدأ يحقد على موتسارت ،وصار يحضر حفلاته سراً، ولكنه لا يجاهر برأيه في موتسارت صراحة. بل تمادى وفكر في قتله. ولم أقرأ عن مصطلح (السالييرية ). راجعت كتباً خاصة بالمصطلحات النقدية والنفسية ولكن لم أعثر على تعريف شاف للمصطلح والدلالة التي أريد ايضاحها. بحثت كثيراً في جوجل و المواقع فعثرت على مقالات وأن تشابهت مع المفردة، فهي تحوم حول معناها وقصة الصديقين في الفيلم، ولكن لم تضع الاسم كمصطلح ثابت كالسادية والمازوشية والنرجسية ..ألخ. اليوم قررت أن أضع هذه المفردة على طاولة المختصين لدراستها، مادامت تشابههن بتشخيص ورصد حركة نفسية أو اجتماعية خاصة بفئة من البشر.. فإذا أتفقنا على أن السالييرية هي (التلصص المليء بالحسد ،والاعجاب المتشح بثوب التجاهل وتسخيف ما يبدع في خلقه الأخرون حسداً وضغينة). سيؤصل الباحثون النفسيون لها مصطلحاً ،مادام المصطلح كما هو معروف لفظ يطلق على مفهوم معين للدلالة عليه عن طريق الاصطلاح (الاتفاق) بين الجماعة اللغوية علي تلك الدلالة المرادة والتي تربط بين اللفظ (الدال) والمفهوم (المدلول) لمناسبة بينهما. وأجد أن هذه الحالة قد أعيد تكريرها ،ولكن بشكل وأسلوب ونمط حديث ،فالآن وبعد انتشار العوالم الافتراضية، نرى الكثير يعيشون بيننا أجساماً وافتراضاً. وأسمع بين الحين والحين أن أديباً يتلصص على أديب وهو معجب به ،ولكن يخفي في داخله الحسد والضغينة، وليس هذا وحسب ولكن يحاول تسخيف نتاج الأديب الآخر. وقد يقول قائل، أن الحسد قديم ،والتجاهل والضغينة موجودة منذ القدم ،حتى قبل حادثة سالييري وموتسارت، والرد على هذا نعم.. الحسد والضغينة والتجاهل موجود، ولكن هوس سالييري جاء بطريقة مغايرة، القناع الذي لبسه له دلالات ،وحضوره للحفلات سراً وانكار الحضور، يذكرنا بعوالم التواصل الحديثة(الفيس بوك مثلاً). فهذا العالم الأزرق فسح المجال للتلصص ، فهو عالم افتراضي قناعي، لا يدع لك أثراً حين تمر على نتاج من دون ان تترك أثراً لمرورك. السالييريون يقضون وقتاً طويلاً في المتابعة والتقصي والقراءة ،ولكن حالهم كحال سالييري حين كان يحضر حفلات موتسات خفية ،لا بل حالهم أفضل من حاله الذي كان يتكبد عناء المجيء للحفل ، فاضحاً شخصيته بسهولة. لقد تقمص سالييري دوراً افتراضياً أيضاً ،حين ارتدى قناعاً كما يقول بعض المؤرخين، وذهب إلى منزل موتسات طالباً منه تأليف قداس. هل لذاك القناع (قناع سالييري) علاقة بعالمنا الافتراضي الحالي؟ الكثير من الأشخاص يلبسون القناع ذاته ،يختفون وراء شاشاتهم، يدخلون بأسماء وهمية ومستعارة لكي يحدثوك عن مشاريع واهمة. ما يحدث الآن في عالمنا الافتراضي ،هو سالييرية متضخمة ،ومصداق واضح لـ (قناع سالييري) الذي يرتديه البعض وأخص بالذكر شريحة الشغل الإبداعي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة