للجغرافيا حكايتها أيضا ، بين بغداد و الجزائر مسافة حب و تأريخ و قصائد طويلة نظمت في مساندة الثورة الجزائرية الكبرى ، كل هذه المعاني احتشدت في ذهني و أنا أشد الرحال لحضور المؤتمر الدوري لاتحاد الأدباء العرب ، بالطبع احضره للمرة الأولى كما أزور الجزائر للمرة الأولى أيضا ، للأولى نكهتها الخاصة ، نكهة الحدس و التوقع التي ترافقك طيلة الطريق ، كانت ثمة ندوة مرافقة للاجتماعات محورها الأساس ( تجليات المقاومة في الشعر العربي ) أظنه محورا من وحي المكان ( الجزائر ) أرض الشهداء و المقاومة ضد المحتل ، ما يهمنا الآن هو أن نلقي ضوءا كاشفا على هذه الموضوعة ، ثمة أسئلة من قبيل : هل ما زال القاموس السياسي التقليدي ساري المفعول ؟ بالطبع لا نريد أن نقلل من تضحيات الشعوب لكننا نتساءل عن مصير هذه الشعوب بعد أن ضحّت ! ترى هل المقاومة هي الفعل العسكري لدحر الآخر أم ثمة صعيد نغفله دائما هو نحن ؟ هذه المداولة للتذكير بأن دحر الآخر وحده لا يكفي بل لابد من معاينة الثقوب التي تغري هذا ( الآخر ) بالتلصص و الدخول الى غرفنا السرية ! .. إن المجتمعات بإصرارها على قيم التصدع و رفض الممارسات النقدية تؤثث منطقة فراغ تستدعي رياح الآخر دون أن تعلم لذا ينبغي مقاومة الذات الخاملة أولا ، أنساق الخراب التي تتقدم مشهدنا بوصفها أجندات ناجعة وهي ليست كذلك ، ثمة فرق بين مقتضيات الإعلام و الدلالة التي نتوخاها ، مللنا الشعارات التي كانت و ما زالت تتصدر الصحف و المحافل ، السؤال الأهم : كيف نقاوم ؟ عندما نتحدث عن الآخر كأننا نبرّيء أنفسنا التي هي أولى أن نقاومها أولا ! ينبغي تخليص و شطف هذا التعبير من دلالته السياسية المستهلكة ، نحتاج الى المقاومة الثقافية ، مشروع نهضة يأخذ بنظر الاعتبار أن البلاغة لا تصلح خطاب حضارة بعد أن أثبتت التجارب ذلك ، علينا أن نتساءل عن بلاغة التجربة و الممارسة الحية التي نتوخاها .. في أكثر من موضع قلت : إن محاربة القبح أرقى درجة من درجات الجمال بمعنى ليس مهما أن نصنع الجمال وحده بل الأهم أن نحميه من تصدعات التلف و التزوير التي تطاله حد اختلاط الأوراق و لا ننسى أن العاجزين و الضعفاء يستفيدون بالضرورة من هذا الخلط .. النص المقاوم هو النص الذي ينتمي الى تجربته بقوة و هنا تكمن أصالته لا النص الذي يستدعي و يجترّ ، يهدر بلاغة الواقع لصالح الخرافة و اللاشيء ، هذه الانتباهات و سواها أعدّها احترازية كي لا ينقلب مفهوم المقاومة الى ضده : نقاوم اللص و ننسى الحراس الذين غفلوا أو تغافلوا و ربما استدعوا هذا اللص!
جمال جاسم أمين
من الجزائر..
التعليقات مغلقة