شهود عيان يروون قصصاً عن «استعراض عسكري غير مسبوق»
الموصل – الصباح الجديد:
يُقال إن داعش هزمت القوات الأمنية بالإشاعة والدعاية قبل المفخخات والانتحاريين، هذه النظرية ترِد بقوة إلى جانب نظرية المؤامرة عند الحديث عن أسباب انتصار عجلات سيارات (البيك آب) على دبابات الجيش ومدرعاته.
المتابع لنشاط الجماعات الإسلامية المسلحة يجدها تعتمد كثيراً في تنفيذ مخططاتها على الإعلام ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث في الموصل.
يونس ذو النون يسكن حي التنك الذي شهد أولى المعارك استيقظ فجر التاسع من حزيران على صوت نداء من الجامع القريب على منزله بعبارة «حي على الجهاد… حي على الجهاد».
وقال بعد دقائق اندلعت اشتباكات مسلحة لم ارَّ مثلها من قبل وتكرر المشهد حتى لحظة هروب القوات الأمنية من المدينة بعد ثلاثة أيام فقط.
داعش لا تمتلك فضائيات أو إذاعات ناطقة باسمها إلا أنها توظِف منابر إعلامية أخرى أهمها المساجد، فما إن استقر الأمر لصالح التنظيم حتى وزَّع عناصره منشوراً مطبوعاً أطلقوا عليه تسمية «وثيقة المدينة» حيث أمرّ المسلحون الخطباء بقراءة الوثيقة على الناس في صلاة الجمعة.
أبو حسن أحد خطباء المدينة استلم الوثيقة قبل صلاة الجمعة بساعتين، واليوم مضى إسبوعان وداعش تعتمد على الجوامع في الترويج لنفسها ولمشروعها الرامي إلى أقامة دولة إسلامية في العراق.
يقول أبو حسن في الجمعة الماضية حضر أحد الأمراء إلى الجامع وطلب مني حث الناس على الصبر ومنح «المجاهدين فرصة لإثبات إخلاصهم وصدقهم» ويبدو إن هذا التحرك جاء عقب تذمر الناس من سوء الخدمات وانقطاعها في الكثير من المناطق وتوقف صرف رواتب الموظفين والشلل الذي أصاب الحياة العامة والقطاع الخاص.
من يرى هيئآت المسلحين الخارجية يعتقد إنهم لا يجيدون سوى القتال والحقيقة إنهم لم يهملوا وسائل التطور الالكتروني وشبكات الانترنت، فمع بدء الهجوم على الموصل نشطت حسابات باسم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي لعل أبرزها «ولاية نينوى» التي كانت تواكب تطورات المعارك أولاً بأول من خلال نشرها لصور ومقاطع فيديوية.
داعش كانت تعي تماماً إن هذا الموقع وغيره سيغذي المؤسسات الإعلامية والفضائيات بأخبارها وسيكون نافذتها على العالم.
وأخطر ما في الأمر اليوم هو استيلاء التنظيم على مؤسسات إعلامية كاملة في الموصل وتكريت ومجموعها خمس قنوات فضائية هي «سما الموصل» و»نينوى الغد» و»الموصلية» و»سما صلاح الدين» و»قناة صلاح الدين»، فضلاً عن استيلائها على خمس محطات إذاعية ومطابع عدة وهي جاهزة للعمل لأن يد التخريب لم تمسها.
أحد الإعلاميين فضّل عدم ذكر اسمه كشف عن محاولة داعش إعادة البث في القنوات التي تسيطر عليها وقال إنهم طلبوا منه الالتحاق بالعمل وإبلاغ زملائه بذلك لكنه طلب منهم تأجيل الأمر لمغادرة بعض زملائه المدينة.
الراية التي تحمل شعار «الدولة الإسلامية في العراق والشام» هي واحدة من وسائل الترويج والإعلان التي تعتني بها داعش عناية خاصة، وهي مصنوعة من قماش أسود وعليها شعارات دينية، والإسلاميون يدعون إنها تحاكي راية الرسول محمد في المعارك التي خاضها.
أحد المقاتلين تسلل لتثبيت الراية في مكان مرتفع أمام جمهور حاشد من الناس وقال «هذه الراية ترهب الأعداء وستشاهدونها ترفرف في عموم البلاد».
الطبيب النفسي محمود البدوي يقول إن الراية التي تستخدمها داعش مُختارة بعناية، فعملياً يبعث اللون الأسود على الخوف والرعب.
رأي الطبيب يتوافق تماماً مع ماقاله جندي عراقي تناقلت صوره وسائل الإعلام المحلية في العراق حيث قال آنذاك «لقد سقطت فرقة كاملة من دون أن تطلق داعش إطلاقة واحدة،حيث فرَّ الضباط وغادرنا بعدهم حينما شاهدنا ثلاث سيارات تحمل رايات سوداء تدور حول مقر الفرقة الثالثة حيث نعمل.
الرايات واللافتات التي تملأ الموصل يتم طباعتها في المدينة في المكاتب الخاصة بالإعلانات الضوئية لا سيما في منطقة الجامعة التي تشهد اليوم حركة نشطة بعدما غطت في الأيام العشر الأولى من سقوط المدينة في سبات عميق.
أصوات الطابعات بدأت تُسمع مجدداً عند المرور من أمامها لكنها هذه المرة لا تطبع صوراً لمرشحين أو شعارات لكتلٍ سياسية بل رايات ولافتات لداعش.
الاستعراضات العسكرية هي الأخرى وسائل جيدة لدعاية ناجحة في الموصل، فالمجاميع المسلحة تستعرض خلالها قوتها وهو ما حرص عليه التنظيم منذ بداية دخوله إلى الموصل وحتى قبل أيام حيث نظم استعراضاً كبيراً يبعث رسالة تحذير إلى الحكومة العراقية.
وجالت في الشوارع مدرعات وسيارات ودبابات في استعراض غير مسبوق، لكن الرسالة هذه المرة موجهة إلى المجاميع المسلحة التي لم تعلن ولائها وطاعتها للتنظيم حتى اليوم.
شاشات العرض الكبيرة الموجودة في شوارع حيوية في مدينة الموصل استخدمتها داعش أيضاً لعرض إعلانات وشعارات الدولة الإسلامية.
ورغم هذه الحملة الدعائية الكبيرة التي يستخدم فيها التنظيم وسائل مختلفة لا يوجد حتى اليوم متحدث رسمي باسم داعش في مدينة الموصل وهو جزء من نهجها في العمل ربما للحفاظ على بعض الأمور طي الكتمان لكنها قد تغيِّر هذا النهج في الأيام المقبلة وتقوم بتعيين أحد ما.