خبراء واقتصاديون يناقشون «مفاهيم اخرى» عن الطبقة الوسطى في «معهد التقدم»
بغداد – سها الشيخلي:
يرى الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط الأسبق، إلى ان التحليل الطبقي التقليدي كما رسمه « كارل ماركس « كان مشروطا بوقائع التطور الرأسمالي في تلك الفترة التي صدرت فيها المفاهيم الماركسية واعطت اجوبة سليمة عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة.
جاء ذلك لدى ندوة «مفاهيم أخرى عن الطبقة المتوسطة» التي عقدت في معهد التقدم للسياسات الانمائية، وحضرها جمع من الخبراء الاقتصاديين ورجال الاعمال.
وتحدث خلال الندوة كل من الدكتور مهدي الحافظ والدكتور مظهر محمد صالح نائب محافظ البنك المركزي السابق وراغب بليبل رئيس اتحاد رجال الاعمال.
وتابع الحافظ حديثه قائلا، «لا يوجد خلاف في الرأي حول صدقية تلك المفاهيم، لكننا اليوم في عالم جديد نسبيا من حيث البنية الاقتصادية واشكال الحكم فضلا عن الاهتزاز الكبير في المفاهيم الطبقية».
وأشار الحافظ ان الحديث عن العراق وتطوره الاقتصادي لا يختلف كثيرا عن السياق العالمي بدرجة او باخرى، فتحليل البنية الاقتصادية العراقية يؤكد غلبة عوائد انتاح النفط والاتساع المتواصل في القطاع العام اصبح الجهة المقررة في كل اشكال الفعاليات الاقتصادية. فاليوم لا يمكن ان نتحدث عن اي قضية ما لم يكن للدولة الريعية كلمة حاسمة.
وأضاف الحافظ، «ثم جاء النظام الجديد منذ 2003 وأسس نظام الدولة – المكونات بديلا عن المطلب المشروع بإقامة دولة المواطنة الحرة والمستقلة دولة المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص».
وتابع، «هنا يبرز التناقض بين المفهوم القديم للبنية الطبقية والمفهوم الجديد الذي وصفناه قبل قليل، فهل يستطيع احد ان يتجاهل تلازم الاقتصاد العراقي مع العوامل الخارجية على النحو الذي يجسد تبعية الموارد المالية والتجارة واغلب حاجات الاقتصاد الوطني للعامل الخارجي؟ في احصائية سكانية نشرت مؤخرا تفيد بأن اكثر من 20 مليون نسمة من سكان العراق يعيشون على عوائد النفط، 3,5 مليون موظفين اضافة الى اكثر من 2 مليون متقاعد، من اصل ما يقال بأن نفوس العراق قد بلغت اليوم اكثر من 32 مليون نسمة. اي ان حاصل ضرب هذه الارقام في 5 (المعالين)، يساوي اكثر من 25 مليون نسمة مبينا اما الحديث عن القطاعات الانتاجية فهو حديث مؤلم للغاية.
ومضى إلى القول، «في عام 1980 كانت المؤشرات الاقتصادية تؤكد بأن حصة الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي قد بلغت نحو 33 بالمئة وحصة الصناعة التحويلية بلغت نحو 11 بالمئة، وكان المتصور آنذاك ان العراق سيكون الدولة الصناعية الحديثة التي تضاف الى دول جنوب شرق اسيا الجديدة. لكن التورط بالحرب مع ايران واحتلال الكويت قد نسف هذه المؤشرات وجعل العراق دولة تابعة ومنهارة اقتصاديا».
وأكد «هنا يجدر ان اذكر بأن الرئيس السابق لجمهورية فنلندا السيد أمارتي اهتساري اعد تقريرا للامم المتحدة بعد ان زار العراق رئيسا للجنة التحقيق الدولية وذكر في التقرير ان العراق اصبح دولة فاشلة صناعيا ويقصد بذلك الانهيار الذي حصل للبنى الصناعية في العراق، كما ينبغي ان نشير الى ان حصة الزراعة الان في الناتج المحلي الاجمالي لا تتعدى 7 % وحصة الصناعة التحويلية لاتتعدى 3 %.
وأشار الحافظ إلى أن التجربة التاريخية في الصين وفيتنام تحت قيادة الحزب الشيوعي فيهما تقدم اجوبة حاسمة في هذا المنعطف التاريخي الجديد.
اما الحديث عن دولة « المكونات»، فقد وصفه الحافظ بالامر الجوهري للغاية ولاسيما في الظروف السياسية الراهنة، وقال إن «أي كلام او تقدير عن بعض الظواهر السياسية لا يمكن ان تلغي الخطورة السياسية والاقتصادية المترتبة على وجود دولة « المكونات»، فالحرية لا تتجزأ فحرية المكونات وحرية الافراد تتكامل مع بعض ويبقى الاساس هو الرأي المستقل للمواطن في تقرير الشؤون العامة.
ونوه الحافظ إلى الطبقة الوسطى الفئة الرائدة في الاقتصاد الوطني. وهذا ماكنا نسعى اليه في دعوتنا لاحلال اقتصاد السوق المتزاوج مع دور الدولة كأفق اقتصادي بديل عن الاقتصاد الشمولي السابق.
ازدواجية العقد الاجتماعي
واشار الدكتور مظهر محمد صالح في بداية كلمته انه سوف يتحدث عن ازدواجية العقد الاجتماعي وعن دور الطبقة الوسطى في العر اق مع شيء اسمه ازدواجية العقد الاجتماعي اي حالة ما قبل المجتمع السياسي وكيف يدخل في المجتمع السياسي، مشيرا الى انه اخذ دور تطور الطبقة الوسطى السياسية و تناولها خلال مائة عام الماضية اي منذ عام 1914 الى 2014 وهي الوقت الحاضر وما حدث خلال هذه الفترة قدر الامكان في مسح واسع، والنقطة الاساس هي دور حياة الطبقة الوسطى والحياة السياسية في العراق مع نشوء الدولة العراقية، وهي فترة مهمة وحساسة والنقطة الاخرى التي سأبني عليها الفرضية هي ان هذه الطبقة ترتبط بما تسحبه الدولة من الانفاق او كمية الانفاق او كيف يؤثر التقشف في تقدم الطبقة الوسطى.
واوضح صالح ان العالم الاجتماعي الالماني (ماكس فيبر) قد عد ان الطبقة الوسطى تجلس في وسط الهرم الاجتماعي تمتلك القدرة على بلورة افكارها وتنظيم مطالبها وصياغة مشروعها في المجال الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي وهي في الوقت نفسه تحمل مشروعاً نهضوياً باستمرار بغض النظر عن مشاربها سواء كانت قوميات او اثنيات حيث كلنا نجتمع تحت مشروع نهضوي واحد مبينا تقع هذه الطبقة بين طبقتين، طبقة ثرية هدفها هو تراكم رأس المال ولا تهتم بامور المجتمع كثيراً وبين طبقة فقيرة مسحوقة وهي تهتم بحياتها اليومية كونها تريد العيش وهذه الطبقة مهمة كونها ديناميكية وانتخابية، المقياس المشترك لهذه الطبقة هو ثمة شيئان اولا ما يسمى براس المال الثقافي فهي تمتلك مهارات ثقافية بشكل عام والذي هو راس مالها فقد لا تمتلك وسائل انتاج او ثروات لكنها تمتلك ملكية فكرية فهي تمثل طبقة المثقفين بشكل عام يضاف لها من يمتلكون بعض وسائل الانتاج او بعض الفائض، وبالتالي الفكرية الملكية هم الذين يحددون هذه الطبقة سواء او بعض الملكيات البسيطة، هذه الطبقة نشأت مع نشوء السوق حيث من دون السوق لا توجد طبقة وسطى، موضحا انها سميت بالطبقة البرجوازية مع نشوب الثورة الفرنسية لكونها كانت تضم اصحاب المصالح والموظفين الحكوميين، واحسن من عرفها هو ( جون باركر ) محرر في مجلة الايكونومست اللندنية قبل اشهر حيث عرف الطبقة الوسطى بانها الطبقة التي يمكن ان تدخر ثلث دخلها السنوي اي الطبقة المدخرة وعلى هذا الاساس رهن التطور العالمي الحديث مع بروز هذه الطبقة ومع تطور السوق.
وبين الدكتور صالح ان في الصين حجم الطبقة الوسطى فيها عام 1890 كان يشكل 15% من المجتمع الصيني ومع تطور اقتصاد السوق في المجتمع الصيني اليوم هذه الطبقة تربو على 60%، في الولايات المتحدة الاميريكية برغم كل تقدمها لا تشكل الطبقى الوسطى فيها سوى 45% والسبب هو القوة الاحتكارية، فاذن السوق التنافسية هي التي تخلق الطبقة الوسطى والسوق الا حتكارية هي مصدر لنشوء الطبقة الوسطى، في روسيا في الوقت الحاضر على الرغم من انتقالها الى اقتصاد السوق ما زالت الطبقة الوسطى لا تشكل سوى 15% وهناك اسباب منها ان اقتصاد روسيا ما زال يعتمد على صادرات المواد الخام بشكل عام اي اقتصاد خام يختلف عن اقتصاد الصين المتنوع، الاتحاد الاوروبي يعد انموذجاً مثالياً للطبقة الوسطى وسكانه يشكل 7% من سكان العالم ويولد 25% من الناتج المحلي الاجمالي للعالم، لكن في الوقت نفسه سكانه يتمتعون ب50% من الرعاية الاجتماعية والدعم الاجتماعي، لذلك فهو مجتمع رفاهية جدا واسع وهناك توزيع شبه عادل للدخل في المجتمع الاوروبي، لذلك الطبقة الوسطى تشكل نسبة عالية نحو 66%.
وعرج الدكتور صالح الى الطبقة الوسطى في العراق قائلا : لنفترض ان الطبقة الوسطى في العراق اليوم تشكل 60% من المجتمع وان القاسم المشترك لهذه الطبقة هو ان الدخل الحقيقي يساوي الانتاج الحدي و يساوي العائد الحدي، هل هذا صحيح في الحقيقة ؟ المشكلة في العراق هو ان الانتاجية الحدية لا تتناسب مع الدخل الحدي لكون المجتمع ريعياً، اليوم القوى العاملة في العر اق تقدر ب ( 9 ) ملايين عاملا، نحو 4 ملايين ونصف منهم متعاقدين مع الدولة، وان انتاجية الموظف الحكومي اليوم هو ( 17 ) دقيقة وهو يأخذ اجراً لثماني ساعات كاملة والفرق هو ريع نفطي مدفوع، واشار الى مشكلة السوق بالقول ان الطاغي عليه هو ما يسمى بالاستخدام بالناقص، والذي يعني ان هناك من يشتغل خارج اختصاصه وبالتالي نجد ان السوق لا يعطي اجوراً مثل الحكومة، فكلما تعمل الحكومة على زيادة الرواتب يصاب السوق بخلل لسبب واحد هو ان الانتاجية الحدية لا تساوي الايراد الحدي وهذه مسألة صعبة التحقيق في العراق.
مراحل تطوير الطبقة
واكد راغب بليبل ان موضوع الطبقة الوسطى لا يمكن ان تغطية ندوة واحدة والمطلوب ان تكون هناك عدد من الندوات مشيراً الى انه سوف اتحدث عن مراحل تطوير الطبقة الوسطى بعد تاسيس الدولة العراقية وسوف اركز على مخاطر الموجودة الان في التوجه لتهميش هذه الطبقة لما لهذه الطبقة من دور عميق في عملية اصلاح كل الاوضاع ودورها الديناميكي في تحريك المجتمع، مشيراً ان بدايات الطبقة الوسطى كانت عند نشوء القطاع التجاري والذي كان المعول به في البداية فبعد الا نتداب تام تاسيس عدد من شركات عراقية مع شركات اجنبية دخلت العراق، وفي عام 1926 تاسست غرفة تجارة بغداد اذن النموكان منظما وليس الربح فقط وتوفير ما يحتاجه البلد من بضائع وسلع، ونشأت هذه الطبقة عندما كانت الحاجة الى بدايات تصنيع وبالاخص بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان القطع في وسائل النقل بين العراق والدول بالاخص تلك التي كانت تغذي العراق بالسلع التي كان يحتاجها المجتمع العر اقي، فنمت صناعات وهذه الصناعات اعتمدت على قدراتها البسيطة في البداية ولكنها مع ذلك نمت، مشيرا الى ان في اربعينيات القرن الماضي كانت هناك قوى سياسية واحزاب وطنية تبنت موضوع تنشيط الاقتصاد حيث كانت هناك طبقات من ضمنها الطبقة الوسطى اضافة الى الطبقة العاملة والى آخره، فبعد الثورة البلشفية ار تفعت المفاهيم الاشتراكية ودور الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، وفي بلدنا لم تكن الطبقة الوسطى ولا البرجوازية نامية بحيث يكون هناك احتدام بالصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الوسطى وعند انشاء عدد من المشاريع الصناعية كانت هناك عدد من ممثلي الطبقة الوسطى من الممثلين السياسيين الوطنيين الذين لجأوا الى تنشيط الصناعة وفعلا تم تاسيس عدد من المشاريع الصناعية في النسيج وفي الزيوت وفي السمنت وفي الصناعات الانشائية والغذائية المتعددة وهذا النمو لاقى ترحيب في البداية واتسعت هذه الطبقة بشكل محدود في البداية ولكن بعد الخمسينيات عند حظور شركات اجنبية عديدة الى العراق صناعية وتجارية ومقاولات وقد عايشت شخصيا هذه الفترة واعرف هذه الاسماء الرنانة للشركات الاجنبية سواء كانت لسلع استهلاكية او انشائية او زيوت او طرق وجسور والى آخره.
موضحاً ان هذه الطبقة عندما بدات بالنمو تبنتها قوى سياسية وطنية، فانشأت جبهة الاتحاد وطني عام 1957 نتيجة حاجة البلد الى ان يكون الاقتصاد العراقي اقتصاداً نامياً ويوفر فرص عمل ويكون له حصة في الناتج الاجمالي العراقي مع الاستيرادات الخارجية، مشيرا ان ثورة تموز اطلقت العنان للطبقة الوسطى وفسحت لها المجال وكان هنالك دعم وانشأت مشاريع عديدة بالاخص ما كان يحتاجه المواطن في حياته اليومية، فهذا التطور استمر لمدة خمس سنوات وصارت للطبقة الوسطى علاقات مع الخارج وبدأت تجلب تكلنوجيا وتحصل على امتيازات مع شركات مماثلة لها عالمياً حتى تنشيء مشاريع في العراق، وفي فترة عام 1960 و1961 كانت هناك فترة تشديد الصراع الطبقي وكانت مفتعلة في الحقيقة وكانت وراءها صراع سياسي حيث لم يكن هناك حالة يتسحق ان يكون هناك احتدام للصراع الطبقي فظهرت اضرابات في اماكن متعددة، ولكن هذه الفترة كانت قصيرة ولم تستمر الى ان جاء عام 1963 حيث صار هناك توجه اخر وهوعسكرة الدولة، ولم تكن هناك معالم مدنية واضحة للحياة، ويوضح بليبل وفي عام 1964 توجهت ضربة كبيرة الى القطاع الخاص وللشركات العراقية التي نمت خلال الفترة الماضية حيث تم تاميم عدد منها وكذلك الشر كات الا جنبية والبنوك فتم تأمين نشاط القطاع الخاص وبالاخص الطبقة الوسطى انحصر دورها وبشكل كبير جدا وهربت رؤوس الاموال العراقية وعدد كبير من الصناعيين العراقيين لجأوا الى خارج العراق لانشاء مشاريع مشابهه الى مشاريعهم منها في المغرب وفي سوريا وفي لبنان وفي مصر، مشيرا وهذا الذي حدث في قمع الطبقة الوسطى بحيث لا يكون لها تاثير سياسي وعلى تاثير المال في البلد، ومعرجا الى عام 1973 عند تاميم النفط حيث توجهت الدولة بشكل مركزي اكثر مما كانت سابقا وسيطرت على التجارة الخارجية حيث كان القطاع التجاري نشطاً جداً في تلك الفترة والنشاط الصناعي كان محدودا جدا هذا ما جعل الكثير من التجار يلجأون الى الصناعة وهذا بحد ذاته خلق مشكلة للصناعيين الحقيقيين لان التوجه صار من اجل الحصول على اجازات استيراد بعد منع التاجر من الحصول على اجازات استيراد للبضائع، وبين بليبل وصار الحصول على اجازات استيراد ليس للحصول على ادوات صناعية بل كانت للحصول على بضائع بشكل مجزأ وتجمع بعد ذلك، وكان هذا سببا لعدم تطور الصناعة بل كانت العملية تجري فقط للتجميع وليس لخلق وضع اقتصادي وتنشيط الاقتصاد، موضحا هذا النشاط استمر لحد عام 1980، وعند دخولنا الحرب العراقية الايرانية وضعف الكهرباء اثر على القطاع الصناعي وعلى الطبقة الوسطى لحد عام 1985 تم وضع العراق في القائمة السوداء وتم توزيع بيان الى جميع المصارف العالمية بعدم التعامل مع مصرف الرافدين وكان هذا ضربة كبيرة للطبقة الوسطى التي عانت في هذه الفترة بشكل كبير برغم بعض الوسائل الترقيعية التي توجهت بها الحكومة وهو استيراد البضائع من دون تحويل خارجي مع منع الحكومة التعامل بالدولار.