رند علي
لاينحصر جمهور بعض الكتاب بالأشخاص الذي يقرأون الأعمال الأدبية ويبدون سخاءً كبيرا في الوقت الذي يمضونه مع شخصيات وأبطال الرواية إذ يمتد متابعو هؤلاء إلى من تقف معرفتهم بالأدب عند حدود التلفاز والمسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية. طبعاً لا يجادلُ أحدُ في تأثير الصورة على وعي المشاهدين وتفاعلهم مع المادة الفيلمية لذا فإنَّ النصوص التي يتمُ تحويلها إلى المسلسلات الدرامية يحظى أصحابها بالاهتمام لدى كل الفئات العمرية، فكان الكاتب والروائي المصري إحسان عبد القدوس فضلاً على مساهماته في الصحافة وشهرته في اعداد التقارير النارية المؤثرة على الرأي العام قد نال شهرة كبيرة في مجال الكتابة الروائية والقصصية. وما زاد من جهوره العريض إلا عن طريق الأفلام والمسلسلات المأخوذة من رواياته وأعماله القصصية. وبهذا قد دخلت كثير من الألفاظ من اللهجة المصرية إلى محكيات المواطنين العرب.
لا أبالغ إذا قلتُ أن جيلاً بأكمله لديه ذكريات مع صاحب « بئر الحرمان»، مع أني ما عشت في العصر الذهبي لكن تأثرت بثقافة ذلك العصر عن طريق مناخ البيت. في طفولتي كنت ألاحظ اهتمام عائلتي بمتابعة المسلسل الشهير ( لن أعيش في جلباب أبي) واسمع دائما من والدتي الجملة التي تقولها بصيغة الانبهار (انه من تأليف إحسان عبد القدوس) وبقيت هذه الجملة الى اليوم مطبوعة في ذاكرتي، وما مرَّ كثير من الوقت حتى جذبني فلم ( في بيتنا رجل). طبعاً لم أهتم بالقصة اكثر بقدر ما جذبني جمال ورقة زبيدة ثروت وقصة الحب التي جمعتها بـ ( حسين) البطل الذي مثل دوره الراحل عمر الشريف.
بعد مرور عدة سنوات عندما تخرجت من الجامعة وبدأت الذهاب الى شارع المتنبي لشراء الكتب والروايات العربية والعالمية وفي الواقع أنني بدأت بقراءة الروايات العالمية قبل العربية .. كانت هناك رغبة في نفسي ان اقرأ روايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ بعيداً عن الافلام السينمائية التي اقتبست منها رواياتهم. فعلاً اقتنيتُ رواية « أنا حرة « لإحسان عبدالقدوس و «القاهرة الجديدة « لنجيب محفوظ، والى الآن وأنا أقرأ لعديد من الكتاب والروائيين. وإن الرواية التي اثرت في مزاجي كقارئة هي رواية انا حرة. الكثير من القراء ينتقد رواية انا حرة ويركزون على نهايتها التي تركت امينة وعباس يعيشان في علاقة خارج حدود الزواج .. اما بالنسبة اليّ فإن فكرة انا حرة، تتضحُ في سلوكيات الفتاة التي قررت ان تكون مختلفة عن بنات جنسها وان لا تكون طموحاتها مقتصرة على الارتباطات الاجتماعية . فطموح امينة تخطى البيت والرجل لتدخل الجامعة الأمريكية وتحظى بوظيفة مرموقة في احدى الشركات الأجنبية. وتذهب لزيارة بيت عمتها التي كانت تعايرها دائما بأنها ان دخلت الجامعة وتعلمت، فلن تجد الزوج المناسب لها. كأن الزواج في الشرق هو طوق النجاة .. ولازلت اذكر المحادثة بين الطرفين، حيث تخبرها بأن فلانة تطلقت وفلانة لم تتعلم ولم تتزوج ولن تتقدم خطوة في حياتها.. بعد أن كانت العمة في بداية الرواية تضغط عليها لترك التعليم والزواج اسوة ببنات جيرانها وأقربائها.
اليوم وبعد ان قرأت عددا غير قليل من روايات صاحب ( دمي ودموعي وابتسامتي)، الاحظ حجم التنوع في المواضيع المختلفة العاطفية والسياسية والاجتماعية التي تناولها في رواياته فـ «أنا حرة» تختلف جذرياً عن «لن اعيش في جلباب أبي» وعن رواية «في بيتنا رجل» .. فنلاحظ ان احسان ينتصر للمرأة ويطالب بحقها في المساواة بالرجل. في «أنا حرة» يكتب عن حكمة عبد الغفور البرعي الرجل الذي ينتمي الى الطبقة الشعبية. وكذلك عن عاشق الوطن الحر ( حسين) في رواية «في بيتنا رجل». الحرية التي يبحث عنها في كل اعماله هي القيمة المركزية المحركة لتفكيره.