أوس حسن
- 1 –
لعبة شطرنج
كانت الأخبار تتوارد في أنحاء متفرقة على كوكب الأرض عن مشاهدات حقيقية لأطباق طائرة تمر وتختفي، والبعض كان يصف حركتها وهي تختفي في دوائر لا مرئية بأنها ساحرة ومدهشة، التقى الكثير من البشر بقادة هؤلاء الكائنات الغريبة، أو السلالة المتطورة التي انحدرت من جيناتنا، بأنهم ليسوا متطورين علميا ً وتكنلوجيا ً فحسب، لكنهم تجاوزوا حتى مفهوم اللغة والادراكات الحسية المباشرة للأشياء، وتجاوزوا حتى اللغة إلى إشارات غامضة تعتمد على التخاطر والعقل الباطني العميق، إضافة إلى قدرات كبيرة وخارقة حفزوها في داخلهم ونجحوا، بينما البشر مازالوا كائنات لغوية تتفوق على بعضها في اللغة وتقتل بعضها باللغة وتظلم بعضها باللغة، أي خفة حقيقية وتجرد من ثقل العالم يمكن أن تشعر به وأنت تقابل هذه الآلهة الصغيرة التي تمتص شعاع الزمن.
كنت أفكر لو حدث صدفة وإن رأيت هذه الكائنات، فلن أتمالك نفسي من الرعب وهي غريزة حفرت في داخلي عميقا ً مثلما حفرت في داخل الكثير من أقراني البشر، قررت عند مقابلة هؤلاء أن أدعوهم إلى لعبة شطرنج، فهي أفضل حل لمشاكل الإنسان وقد يكون الموت من ضمنها أيضاً.
في اليوم التالي …كانت هناك ورقة تحت الوسادة
مكتوبة بخط جميل وكأنه من ضوء لا ينتمي لعالمنا
شكرا لا نستطيع لعب الشطرنج الآن، فيما بعد سنزودك بالرموز لتبدأ اللعبة
جئنا نبحث عن الدليل ..جئنا من أجل السلام…
- 2 –
أصل الدائرة
أي حزن يسكن الأشياء لتبدو بهذا السحر والجمال، أي وهج يشع من أعماق الأرض لتبدو بهذا الشحوب الغامض. ،لا شيء يفصلني عن روح العالم، حيث الحركة المستمرة وصوت الطبيعة النابض في قلب الحجر، تتجلى الأشياء بي وأتجلى بها، تفيض بي وأفيض بها. تتناقض في داخلي، وأتناقض في داخلها أنا واحد في الكل، وكل في الواحد، أنا الذرة التي تجري في داخلها الأفلاك والنجوم، أو الفكرة التي تتحرك عبر الزمن ،الوجود ًسلسلة من الدوائر المترابطة والمتشابكة، سلاسل سفلية سلاسل علوية، سلاسل شاقولية، سلاسل أفقية، أصل الدائرة يكمن في زوالها، حيث لا بداية ولا نهاية، والزوال هو النشوء الجديد بنفس الشفرة، بنفس الرموز والمعادلات الثابتة،
الوجود أن تكون حيا ً وميتا ً في نفس الوقت، وأن لا تكون حيا ً وميتا ً في نفس الوقت
الوجود هو أن تقبض على أصل المتاهة، وأن لا تصل .
الوجود هو هذا التناقض الذي يبقيك خالدا ً
خالدا ً…كالضوء …والموسيقى
خالدا ً كالعدم.. - 3 –
سبق الرؤية
كنت وحيداً كعادتي في زقاق اكتشفته صدفة ساعة الغروب، كانت الآفاق ترسم لوحة سحرية تنثال ألوانها وظلالها على المدينة، فها هو سرب من الطيور المهاجرة يحلق ويذوب رويداً.. رويدا في حمرة المدى البعيد، والغيوم تثير شيئاً من الرهبة والعظمة وهي تبتلع الصمت المجروح بالذكرى. بدأت حركة المدينة تخف تدريجياً وخيط من العتمة كان يتسلل في الزقاق ممزوجاً بإضاءة المصابيح. اكتسى وجه السماء بشحوب غامض ولذيذ، لا أدري كم مرة ولدت وكم مرة عشت، وكم مرة تعثرت بانحناءات الزمن؟ كل الحوادث التي مـــرت أمامي اليوم رأيتها في ما مضى مرات عديدة.
ترى هل كنت منفياً من حلم إلى آخر؟ هل كنت مسافراً في عربات النجوم بنورها المتوثب خلف صباحات التاريخ؟ لا أدري وربما لن أدري أبداً. لقد مر بي هذا الشعور سابقاً لكن ليس بتلك الوحشية الجميلة. اليوم فقط شعرت بأني ولدت من جديد وأن الحياة في داخلي تزداد اتقاداً واشتعالاً.