ديفيد لوبين
لندن
ان القادة الصينين يحبون شعاراتهم وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية فإن اثنين من تلك الشعارات يعكسان تفكير بيجين في الآونة الأخيرة. إن الشعار الاول هو مبدأ الحذر تاو جوانج يانج هوي والذي عادة ما يترجم للغة الانجليزية على النحو التالي « أخفي ضوؤك وانتظر حتى يحين وقتك « وهو المبدأ الذي استرشدت به السياسة الصينية لعقود بعد ان قام دينج كيساوبينج بترسيخه في الثمانينيات، ولكن في اواخر سنة 2013 قام الرئيس تشي جينبينغ بصياغة شعار جديد من اجل تحديد مقاربة اكثر حزما وإظهارا للقوة: فين فا يو وي أو « السعي لتحقيق الانجازات».
إن التوجه نحو سياسة خارجية حازمة تحت ظل حكم تشي كان واضحا في كل مكان فمن إعلان الصين لمنطقة تعريف دفاعية في بحر الصين الشرقي في اواخر سنة 2013 ومرورا بخلق « حقائق على الارض « في بحر الصين الجنوبي ووصولا الى تطوير مبادرة الحزام والطريق.
ولكن مؤخرا ظهرت اشارات بأن الصين قد تعيد النظر في قدرتها على السعي لتحقيق الانجازات حيث يبدو ان من الواضح ان حكومة تشي قد اصبحت في مزاج تقديم التنازلات فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الاميركية ولقد بدأ بعض الاكاديميين الصينيين يتساءلون ما اذا كانت الصين مذنبة بالتوسع الاستراتيجي فعلى سبيل المثال جادل يان كيوتونغ وهو عميد بعثات السياسة الخارجية الصينية مؤخرا، بإن الصين قد ذهبت بعيدا وان على الصين الحد من طموحاتها ضمن نطاق اقليمي اضيق ولقد دعا خبير اخر مقره بيجين تشي ينهونع الى «إعادة التمركز» في السياسة الخارجية الصينية.
ان التفسير البسيط لهذا التحول الصيني تجاه اعادة التمركز هو الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والذي طبق نسخته من الحزم على العلاقات الاميركية الصينية، بدعم ظاهر من كامل الطبقة السياسية الأميركية، ومعظم الطبقة السياسية الاوروبية كذلك والان بعد هذا الاحتواء من الغرب فإن من غير المفاجئ، ان الصين قد اصبحت أكثر حذرا تجاه الدفع للإمام.
لكن الحذر الصيني الحالي ايضا يعود في جزء كبير منه الى هشاشة اداءها الاقتصادي، وكما قد يخبرك اي شخص سافر مؤخرا الى بيجين فإن الشعور بالتشاؤم الاقتصادي هناك نادرا ما كان ملموسا كما هو الحال الان.
ان تراجع النمو الصيني الى حد ما هو مشكلة ذاتية فمنذ اعلان تشي سنة 2017 بإن الاستقرار المالي هو مسألة امن قومي، أصبح هناك استياء عام تجاه المخاطرة من قبل الحكومات المحلية والقطاع المالي، ونظرا لإن هذين اللاعبين كانا المحركين الرئيسين للنمو الصيني في السنوات العشر الأخيرة، فإن العزوف عن المخاطرة من قبل المسؤولين الاقليميين ومدراء العمليات المالية قد أدى بشكل طبيعي لتفريغ الاقتصاد من طاقاته.لكن هناك مصدر آخر غير ظاهر لهشاشة الاقتصاد الصيني: حساب رأس المال من ميزان المدفوعات الصيني، فمنذ 2014 عندما بدأت الاحتياطات الاجنبية الصينية بالهبوط من ذروتها والتي وصلت الى 4 تريليون دولار امريكي (الى 3 تريليون دولار اميركي اليوم)، فإن السلطات كانت تشعر بالقلق من الضرر الذي يمكن ان تتسبب به التدفقات الرأسمالية الخارجة الزائدة عن الحد على ثقة الصين باقتصادها ودورها العالمي.
في اي اقتصاد ناشئ، هناك رابط مهم بين سلامة حساب رأس المال والاقتصاد المحلي فلو كانت الاموال تخرج من البلاد فكيف يمكن لأي شخص ان يتوقع ان تكون الثقة المحلية قوية؟
إضافة الى ذلك فإن اهم محرك وحيد لتدفقات رؤوس الاموال من والى اي اقتصاد ناشئ، هو حالة الظروف النقدية الاميركية فالسياسة النقدية الاميركية الفضفاضة بعد الازمة المالية سنة 2008 دفعت برؤوس الاموال تجاه الصين ودول نامية أخرى، وهذا ما ساعد الاحتياطات على النمو الى 4 تريليون دولار اميركي في المقام الاول: ان التخفيف الكمي للاحتياطي الفيدرالي الاميركي جعل من المربح للشركات الصينية ان تستقرض بالدولار وجعل المستثمرين في بحث عالمي دائم عن العوائد مما ادى الى تدفق الاموال على الصين. والعكس بالعكس فإن التشديد التدريجي للظروف النقدية الاميركية خلال السنوات الخمس الماضية، قد ساعد بنحو اكيد على جذب الدولارات بعيدا عن الصين، مما تسبب في خسارة البلاد للإحتياطات والثقة بالنفس، وهذا يعود جزئيا الى ان الشركات الصينية عادة ما تسدد الدين عندما يقوى الدولار وترتفع تكلفة خدمة التزامات الدولار، إضافة الى ذلك، فإن المستثمرين في المحافظ الاجنبية هم اقل رغبة في شراء سندات الحكومة الصينية، عندما يضيف فارق الفائدة بين الصين والولايات المتحدة كما كان عليه الحال في الاشهر الاخيرة.
ان السبب الرئيس، لماذا لم تنخفض الاحتياطات الى اقل من 3 تريليون دولار اميركي والذي قد يجعل صناع السياسات الصينيين اكثر عصبية، هو شبكة الضوابط على تدفقات رؤوس الاموال الخارجة، والتي تم تبنيها في اواخر سنة 2016 واوائل سنة 2017 ولكن الضوابط قد لا تكون غير قابلة للاختراق بنحو كامل، فتاريخ التدفقات النقدية يعلمنا انه عندما تريد الاموال الخروج من بلد ما فهي ستفعل ذلك. ان وجود حساب رأسمال هش والشكوك الذاتية الاقتصادية التي يمكن ان يخلقها لا تعتبر اسس قوية لسياسة خارجية صينية حازمة وفي المرة المقبلة عندما يشعر ترامب بالرغبة في ان ينتقد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي جيروم باول على سياسية التشديد النقدي بنحو سريع جدا، ربما يتوجب على ترامب ان يتوقف للحظات والنظر بالدور الذي لعبته المعدلات الأميركية، الأعلى، والدولار الاقوى في ترويض الثقة الذاتية للصين. ان وجود احتياطي فيدرالي من الحمائم يعد هدية لبيجين.
ديفيد لوبين: رئيس اقتصادات الاسواق الناشئة في بنك سيتي وزميل مشارك في تشاتم هاوس. ان كتابه رقص التريليونات: الدول النامية والتمويل العالمي يعتبر طبقا لصحيفة الفايننشال تايمز واحدا من أفضل الكتب الاقتصادية لسنة 2018.
بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org