كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
الحلقة 15
كيف تنكل بأقرب الناس إليك؟ سؤال لا يجيب عنه إلا رواة الدراما.. أبرياء يطلبون الغفران ومذنبون ينفذون أحكام “العدالة”
عندما يسترسل قراء السير الذاتية في التعرف الى انجازات ابطالهم ، فأنهم ينساقون بلا وعي ، بعد كل عمل خارق يقوم به رجل السيرة ، الى الرجوع لصورته بغية قراءة وجهه من خلال الحدث الذي يعطيه ملامح جديدة فيبدأون قراءته من جديد وبانتباه متزايد هذه المرة .
عندما يفوق غير المتوقع الحدود المتعارف عليها لديه ، مع عدم وجود قياس يهتدى به ، فأن القارئ سيلغي توقعاته معلنا هزيمته أمام المؤلف . هذا هو أسلوب الروايات البوليسية . وعليه عندما يكتب الكاتب رواية فأنه يحدد شكل علاقته بالقارئ.
الشخصيات في الروايات العظيمة اهم من الحبكة . ولا تتجلى قدرة المؤلف على ايجاد الحبكة ، انما السيطرة على تداعياتها بواسطة زمرة من الابطال يجعلون انجازا غير متوقع يطيلون به من عمر رواياتهم .
تكشف لنا دراسة النص في “محاولات…” عن نيات المؤلف المضمرة ، والتي افصح عنها روائيا بمادة خام واقعية وليست مختلفة وباستفاضة مرتكزا على فكرة المطاردة .
حيث هناك صراع رواية . في “محاولات…” هناك صراع ليس بين مطاردين ومطاردين ، بل بين المؤلف ومطاردين غائبين هم القراء : خلق قراء جدد من خلال قيم الخوف المتناسل . انها رواية ، كما تبدو على السطح تدور على ذئاب تطارد بطلا ، او الحوت المطارد الذي يرسل فاجعة عظيمة تحل بالمطاردين . يبد ان قراءة متعمقة تكشف ان البطل المحاصر هو الذي يحاصر القراء مثل عنكبوت هائل يترصدهم ، يطبق عليهم وهم غافلون . يقول هرمان ملفل في موبي ديك “ان التجارب المميتة في السماكة افادت بأن الخطورة التي يمثلها ذلك الحوت تتخذ لها في النفوس مكانة مريعة .. حتى ان معظم الصيادين يكتفون حين يميزونه ، بأن يمسوا قبعاتهم اذ يتبينون انه يتسكع قريبا منهم في البحر”. هكذا يدخل البطل في حياة القراء اليومية برواية يلهث القارئ فيها جريا وراء المؤلف ، عندما يجد ان الرواية تحولت الى ما يشبه اجمة كثيفة تخفي في ظلمتها تهديدات عميقة للقارئ ولا تسمح له حتى بقدر ضئيل من الراحة . عندما يزداد غير المتوقع في الرواية ، يجد القارئ عقله قد تآخرعن اللحاق بمقاصد المؤلف فيسلم نفسه لحبكة الرواية مقلعا عن مهنة التوقع ، لأن غير المتوقع يجب ان يؤخذ بالمعنيين الحرفي والمستور معا ، لسبب ان ما يحدث يخاطب غريزة النجاة ، فيستحيل الا يتذكر القراء كل يوم ما حدث في الرواية اذا خطر لهم ان ينعموا بحياتهم على نحو مطمئن وفق دليل حكيم لا يورث الندم لمن يراعي مضمونه .
محاولات .. محاولات
موضوع الروايتين هو القنص . في “محاولات…” تندفع الشخصيات في صراع لصيد الغزال ، وفي “موبي ديك” تطارد الشخصيات الحوت”. “محاولات” مجالها البر ، “موبي ديك” مجاله البحر . يظهر الغزال في “محاولات” ظهورا تقتضيه الحبكة الروائية . في “موبي ديك” لا يظهر الحوت البتة . كلتا الروايتين تتغنيان بالقوة ، وتمجدان البطولة . البطولة في الاولى حصار ينتهي بالمحاصرين الى الموت السريع ، او شخصيات تستسلم بعد صرخة واحدة “مكانكم ولا يترحك احد” . في الثانية ثمة بطولة ملحمية خالصة . لا تبني الشخصيات في “محاولات” مجدا خاصا بها ، بل تشكل جوقة ترتل تسابيح طويلة تمجد عزة الغائب الموجود في كل مكان . في “موبي ديك” يشاد صرح العظمة الغامضة للوياثان . فإسماعيل الذي يبدأ به الكتاب ، لس شخصا ، بل هو صوت يتغنى بأمجاد الحوت . لا تبني الشخصيات في “محاولات” مجدا شخصيا . انهم مهنيون ، ينامون مع بندقياتهم ، او مسدساتهم تحت وسائدهم ، ذوو وجوه ينفرد بها القراصنة : شوارب على هيئة حدوة الفرس ، تحيط بالفم احاطة نصف دائرية ، ذات نهايات دائرية على هيئة حبال المراسي ، وبسحنات صنعتها السموم كوطاويط خرجت توا من التنور . البحر في “موبي ديك” دائم التغير ، والشخصيات تعيش على وقعه . انه الحياة فأهاب يحول التابوت الى عوامة كرمز لإحلال الحياة محل الموت . في “محاولات” ليس هنالك طبيعة ، وارض وماء ، وسماء ، واشجار . ان الاحداث تجري في اماكن مغلقة : مكاتب ذات مواقع حساسة ، صالات استقبال في فنادق مهمة.. البحر في “موبي ديك” . تحد اليابسة في “محاولات” مجموعة فخاخ .
شروط ابطال موبي دك الإنسانية
الروايتان تعالجان حدثا مركزيا : المصير الفردي . في “موبي ديك” ينظر سكان الباقوطة الى الماء ، ولا يشاهدون سوى انعكاس وجوههم . في “محاولات” يتحسس الجميع مواقع رؤوس الاخرين . تتسامى افكار الابطال في “موبي ديك” ، على شروطهم الانسانية الناقصة . فآهاب المصاب بعاهة (رجله مصنوعة من عظم الفيل) يعمل في اوضاع صعبة . انه يتحدى في عالم محفوف بالاخطار ، كي يباشر رحلة اخرى ، من الضعف الانساني الى القوة . البطولة في “محاولات” تتجلى في نوع من القتل الصاخب ، يجرد الاحياء من الثقة بالنفس ، ويرغمهم على الاستبسال في التخلص من ذكراه ، فتتحول حياتهم الى مجموعة من التخليات : تخل عن الصراع ، وعن الطموح ، وحتى عن التساؤل: لماذا يصبح الفرد ، بعد قراءة الرواية ، خفيفا خفة لا تجارى كأنه غبار على الرصيف .
يقول تشرشل “عندما تريد قتل رجل ، لن يكلفك شيئا ان تكون وقورا معه” . في “محاولات” دخل المتآمرون القصر الجمهوري معتقدين انهم قد تسلموا الحكم . ادت لهم كوكبة من الجنود التحية باعتبارهم القادة الجدد ن حتى انهم ذهلوا لرؤية صور الرئيس معلقة على الجدران ، فأمروا بانزالها . في اوج الشعور بنشوة انتصارهم ، يفتح الباب ، وينهض المتآمرون وهم يؤدون التحية للغزال الذي يظهر قبالتهم . انهم اعلى شكل من اشكال اللذة : ترقب وصول العدو الى اوج متعته ، ثم في غمرة نشوته توضع افعى في ياقته . لنأخذ من رواية “جوليت او ازدهار الرذيلة” للمركيز ذي ساد المثال الاتي: تهشم جوليت وكليرويل جمجمتي رجلين ، حالما يبلغان حالة الرعشة معهن . اما كليرويل فتقطع حنجرة امرأة كانت في حالة وصال جنسي مع سانت فوند ، وهو موشك على القذف .
هذه هي الحكمة من “محاولات” : لا تكن لطيفا مع القارئ . الكتابة ليست منهجا لتعليم الفتيات مبادئ الشرف او اصول الحشمة . ضع حزاما من الديناميت على بطون شخصياتك . فجرهم على مرأى من القراء ، خذ مجموعة اخرى وعلقها في الساحات العامة ، اترك قراءك في مهب المفاجأت التي تفقدهم عقولهم ، ولك ان تجني ثمرة ذلك لاحقا . سيهجر القراء . اثر ذلك عادة النوم على السطوح صيفا ، كي تموت روح التأمل لديهم . سيعودون الى بيوتهم مبكرا ، شيء ما بأكمام ملابسهم ، وهم يتذكرون اولئك المذبوحين ، المعلقين على خطافات . سوف يلتفتون بوجوههم : ماذا لو جابهتنا زمرة من المتمردين؟ ماذا لو كشف جنود الرصد ذلك؟ ماذا لو تصرفنا تصرفا نابعا من قلة ادراك ولم نبلغ أحدا ثم اكتشف الغزال ذلك؟
6- الشر والإرادة الحرة
يسعى هذا الكتاب الى دحض فكرة خاطئة، مفادها انه لا يمكن التفكير إلا في أشياء ظاهرة ذات وجود ملموس ،وان ما يستحيل حدوثه نظريا ليس له احقية في أن يناقش علنا.
علينا الا ننظر الى الشر كنتاج للغدر والمكر،او كأنه فعل مفتقر الى المبادئ الأخلاقية وهذا ما يتعذر رده الى إرادة حرة تمارسه كنشاط ذي وجود مستقل تتلاشى فيه الأفكار والتقويمات التقليدية،والتي تحول دون توسيعه كمفهوم تتجاوز رحابته التعاريف المألوفة.يجب ان نحول الشر من مفهوم للعدوان الى فعل من أفعال الإرادة الحرة ، لان في طياته الكثير من النشاطات التي تجعلنا نتوقف طويلا ازاءها كي نبدي اعجابنا بانجازاته. لابد، اذن، من تحويله من رغبة غير مشروعة الى عمل تنجزه ذات عارفة
تسعى الى خلق شكل جديد يتفق مع ما صنعته في مخيلتها. يتحقق هذا الانتقال من خلال تعريف جديد يركز على مقاصد أخرى للشرير غير تلك المتداولة التي تعد الشر عملا من اعمال الرذيلة وليس عملا يجلب لذة قصوى لمرتكبيه.
ومن هذا المنطلق، فان التعامل مع مفاهيم كالفسق، والغدر، والاغتصاب، والقتل من اجل المتعة لها احقية في الظهور على السطح من جديد على ان يتم ذلك بعيدا عن اي استنكار او ادانه لا يمكن فهم الشر الا من خلال طقوس الاثم والخطيئة وكل ما لا يقيم وزنا للحدود والقيود في حين يصح على هذا النوع من البحث اطلاق التسمية التالية: نظرية الشر المستندة الى الإرادة الحرة تتركز فكرة الشر طبقا لذلك على تدمير ما هو قائم ومتوازن على يد شخص او مجموعة أشخاص تعشق الالم وتقدس الممنوع وتتمتع بافعالها الحرة والمحرمة بشرط ان يتألم الأخرون.
وعليه نحن بحاجة الى وسيلة مبتكرة لكشف جماليات الشر. الشرير ليس ذلك المريض المصاب بعمى أخلاقي. انه في النور اكثر مما ينبغي. عندما سأل الملك هاملت ما لي ارى السحب ما زالت مخيمة عليك؟ رد عليه هاملت كلا انا في الشمس اكثر مما ينبغي ما يشاهده الملك من حيرة على محيا هاملت ليس الا معرفة عميقة لدى هاملت بموضوعه. معرفة أوقعت في نفسه، نوعا من الانهماك في ترتيب حشود الافكار في داخله. انه يعرف نفسه اكثر مما ينبغي، منغمس انغماسا تاما في موضوعه. هاملت ليس بتائه انما بمفهوم صوفي يتعجل الفرح لانه متخيم بالكشف. هذا هو الامر مع الشرير ذي الارادة الحرة التي يحصل عليها تتأتى من افعال محرمة. موت الأخرين وفقا لنموذجه ليس مالا طبيعيا بل قيمة بذاتها تدحض الفكرة التي تربت عليها الاجيال طويلا. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره. تعددت الاسباب والموت واحد. كلا الموت ليس واحدا للموت اشكال مختلفة (ليس اخرها الموت بجهاز التحكم عن بعد، واجبار الضحايا على شرب البنزين واطلاق النار عليهم حيث يشاهد الميت بعينه انفجار احشائه) الموت طريقة يخلد بها القاتل ذكراه من خلال شكل موت ضحاياه. يأتي الشر اذن من ارادة حرة تسمى الارادة الشريرة، انها الرغبة في انزال اذى الضحية مع عدم القيام بادائه للذات لان ذلك عمل لا يستحق استهجان مرتكبه انه عمل لا ينجم عن عمى اخلاقي انما عن ارادة حرة وصلبة صلابة الالماس.
الشر يتخطى حدود الابتذال كخيار اخلاقي
ينطلق هذا الكتاب من فكرة حاول المركيز دي ساد تأسيسها وملخصها دحض فكرة ضالة الشر وابتذالها لكونه مملا لا بريق له ،يفتقر الى القيمة على نحو لا يكافئ القائمين به على العكس من ذلك ،فهو يقدم الشر محرابا يستند الى دعائم ضخمة توفر لمنفذي طقوسه والمؤمنين به الرفعة، والفخر ،والفرص السانحة ،فالشر وهو يتخطى حدود الابتذال يتخذ شكلا يبتعد عن الفكرة السائدة عن الشرير الذي ينزل الاذى بضحيته من دون ادانة للذات، او من دون وعي منه الشر. ليس ضعفا مرده المرضى بل هو خيار اخلاقي ذو رؤية هادفة تجعله شخصيا ممتعا لا نجده الا لدى الشعراء وهم يذهبون الى طاولاتهم لانجاز قصائد محتدمة العواطف. كان ساد على استعداد لدخول السجن والمصح العقلي غير عابئ بمنع كتبه ومن غير ان يفوض ذلك عن ايمانه بخياراته الاخلاقية من هنا جاءت خصال شخصياته الروائية فابطاله ليسوا عابثين او لاهين بل اصحاب ارادة عنيدة وسعي حثيث للحصول على لذة تأخذ شكل تسام خالص، ان مؤشرات انجازهم افضل طريقة للتعريف بهم فعند ضحاياهم يفوق العد والوصف.
هل الاشرار ذوو الارادة الحرة سعداء؟ كلا …تفرض ممارسات الشر على مرتكبيها حياة صعبة شبيهة بحياة رأسمالي مرحلة التراكم البدائي لرأس المال الذين بنوا مجدهم الشخصي بعد كفاح طويل، وكثيرا ما اصابهم الموت مبكرا بسبب شدة الفتهم مع المرض والقتل والمصائب والكوارث التي ترافق سيعهم الى الثراء والجاه، وقد اصبحت مهنتهم التضحية بالنفس من اجل معبودتهم: البضاعة/ الصنم كما اطلق عليها ماركس ذلك الوصف في الجزء الاول من كتابه رأس المال ليس الفرد من يسيطر على موضوعة بل الموضوع هو الذي لديه الغلبة على الفرد.
كما هي الحال مع رأسمالي مرحلة المنافسة الحرة فان الاشرار ذوي الارادة الكاملة عبيد لموضوعهم. يتعلق مصير الاول بحركة البضائع في السوق والثاني منهمك بشراء اللذة ايا يكن ثمنها الباحث عن اللذة مصاب بجنون المدمن الباحث عن جرعة مورفين.
انه في حال تعجز اي وسيله عن تهدئتها ما عدا ارتكاب فعله المحرم الذي ادمنه انها تسلية تحفل بالحيوية والحركة لكنها تؤدي في نهاية المطاف الى تدمير الفاعل لان فعله يفرض عليه الاصطدام باخرين . لا يمكن البطل ان يسير دوما والواقفون على الطرق يبتعدون فاسحين له ممرا سيورث السخط في مزاجه ، عدم وجود شخص يتجرأ لا يعوز البطل سوى غريم يستمد منه القوة لتكتمل صورته كبطل انه بحاجة دوما الى كونه التي تعني ان هناك شخصا لا يريد الوقوف في منأى عن الهدوء انه يريد فعلا ما يكاد يكون صداه مسموعا في ارجاء الكون واذا كان ذلك هو المرام فان شرط البطولة يوحي وجود ضرب من الاستعداد لدفع سعر لن يكون زهيدا ابدا: مليون في الحرب ومئات الالاف في حرب أخرى ومليون في الحصار ومليارات من اغلى الوحدات النقدية في فضائح برنامج الغذاء لابد له من افعال مهمة وعلى قدر كبير من الدوي اشبه بقنبلة يسمع صوت انفجارها تتناقلها الاجيال وتتفاخر بها بحيث يتم تناسي ذكر تفاصيل غير مهمة كعدد الموتى ومدى الأضرار او عمق الحفرة التي أحدثتها القنبلة.
7. روايات المركيز دي ساد
يقول المركيز دي ساد ان الانسان كينونة تتحكم بها الرعشة (orgasm) يعني ساد بذلك ان كل ممارسة تجلب النشوة مبررة، فالسرقة فعل يثير الانتصاب لدى ابطال ساد لانه عمل محرم.
لا يخلق ساد في رواياته نعيما جنسيا بل شكلا من اشكال الجحيم يتمثل بانزال الالم باخرين عن طريق الجنس المتعة الجنسية تتخذ في رواياته نصا طغياينا خالصا يمارسه رجال ضد نساء، نساء ضد رجال، رجال ضد رجال، نساء ضد نساء، ببساطة: الكل ضد الكل مع ان التفصيلات متنوعة هناك حالة واحدة ثابتة تحمل صفة الدوام ينفرد بها الابطال برغم شدة المواجهات بين نزوات تحاول احداها التغلب على اخرى وهي الصورة التي يحاصر بها البطل ضحيته العاجزة عن فعل أي شيء.
تركز فلسفة ساد التي تتخفى في رواياته على نعيم جنسي لكنه طغيانه حافل بمبالغات في فن تعريض الضحايا لعقاب يمهد للقتل، وهو مدعاة لغبطة القاتل لانه ليس عملا عابرا بل حرفة يعتني بتفاصيلها كي تؤمن ضربا من تسليه تستند الى فكرة المجون او العربدة (orgy) التي تعني عملا جماعيا يرتكز على اظهار الوفرة في الفعل سواء في الجنس او اللغة، تؤمن الطعام او السياسة عن طريق تكرار الفعل الغريب لتضييق الحدود بين المصطنع والطبيعي تمهيدا لادخال الشاذ في الاداء الاجتماعي كي يحصل نتيجة تكراره على حق المواطنة والتكريم فالتبجيل تحفل روايات ساد السوداء (جوليت او ازدهار الرذيلة، جوستين اوخيبة الفضيلة، فلفسة المضجع، 120 يوما من سدوم) بمشاهد كرنفالية يتكرر فيها المستغرب والهجين في عمليات قتل واغتصاب وتعذيب تأخذ على السطح شكل اللهو، لكن في داخلها تعكس تراتبية اجتماعية على شكل طبقات يقف على رأس هرمها السادة (الفاسقون) ثم الخدم والعاهرات ويتم ذلك الاداء في مكان اسمه قلعة سلنغ كما هي الحال في رواية 120 يوما من سدوم ،او المبغى في جوليت ،او ازدهار الرذيلة.