جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي لأسعد فضة ملك المسرح السوري

دمشق – أمينة عباس:
تقديراً لمسيرته المسرحية الحافلة بالإنجازات، واعترافاً بإسهاماته في إثراء حركة المسرح العربي على مدى أكثر من نصف قرن، أعلنت دائرة الثقافة في الشارقة فوز المخرج والممثل المسرحي السوري القدير أسعد فضة بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثامنة عشرة والتي سيتسلمها في حفل افتتاح أيام الشارقة المسرحية في التاسع عشر من الشهر الحالي، كما ستقام ندوة حول تجربته الفنية، ويصدر كتاب يوثق أهم مسارات هذه التجربة الإبداعية، وقد عبَّر فضة عن سعادته بالفوز قائلاً: “غمرَني الفرح حين أُبلغت بهذا الخبر، ولا أجد الكلمات التي تعبّر عن اعتزازي بهذه الجائزة المرموقة.. شكراً جزيلاً لصاحب السمو حاكم الشارقة وقد عوّدنا على هذه المبادرات الكريمة الداعمة للإبداع وللمسرح والمسرحيين بشكل خاص”.

رجل المسرح الحقيقي
لُقّب بألقاب كثيرة، فهو ملك المسرح السوري والعلامة ورجل المسرح الحقيقي وصاحب المؤسسة المسرحية والمشهد المسرحي السوري والقدوة التي يُحتذى بها في عالم التدريس والتمثيل والإخراج والإدارة، كما نُشر عنه العديد من المقالات وعن مسيرته الفنية في بعض الموسوعات والمراجع العالمية مثل موسوعة المسرح العالمي المعاصر وموسوعة المسرح في ألمانيا (برلين) عام 1978 الصادرة عن دار هنشل للفن والمجتمع، وغيرها، كما اختارته جامعة American Biographical Institute الأميركية رجل العام المسرحي عام 1997 وحين كتب عنه الشاعر أدونيس قال: “أسعد فضة يصدر في حياته ومسيرته عن ينبوع عميق ودائم التفجر، وهو الهيام بالمسرح الذي نذر حياته للبحث عن المعنى الأكثر عمقاً وعن الرؤية الأكثر شمولاً، مأخوذاً بهاجس الكشف عن الضوء الخفي وعن التوق العريق اللذين يقودان إلى التجاوز وتغيير الحياة والواقع”.

إطلالة على الذاكرة
يبيّن أسعد فضة في كتابه “إطلالة على الذاكرة” أنه كان يحلم منذ بداية وعيه أن يكون فناناً, وفي العام 1958 خضع لامتحان اختيار الموفدين في بعثات للدراسة في الخارج, ونجح في الامتحان وتم إيفاده للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة-قسم الإخراج والتمثيل الذي تخرج منه بمسرحية قام بإعدادها وإخراجها وحملت عنوان “الشيطان والإله الطيب” لسارتر، وبعد التخرج عاد فضة إلى دمشق عام 1963 وبدأ عمله في المسرح القومي في وزارة الثقافة مخرجاً لمسرحية “الأخوة كارامازوف” لدوستويفسكي ولعب فيها دوراً رئيساً، وفي الموسم نقسه شارك بالتمثيل في مسرحية “شيخ المنافقين” إعداد أحمد الصاوي عن مسرحية “فولوبوني” إخراج علي عقلة عرسان، وبعد هذه المسرحية أخرج مسرحية “دون جوان” لموليير ولعب فيها دور دون جوان، وأثناء عرض مسرحيته “لكل حقيقته” لبيرانديللو أوفدته وزارة الثقافة إلى فرنسا 1966-1967 وبعد عودته وقع العدوان الإسرائيلي عام 1967 وأثّر هذا الحدث الكبير على الحياة الثقافية وانعكس في أعمال مسرحية مثل” حفلة سمر من أجل 5 حزيران” لسعد الله ونوس، وبدوره لجأ أسعد فضة إلى مسرح الأسطورة فاختار مسرحية “التنّين” للروسي يفجيني شفارتس ومن ثم مسرحية “الملك العاري” ليتابع عمله في المسرح مخرجاً وممثلاً، بالإضافة إلى تكليفه بإدارة مديرية المسارح والموسيقا، وكانت هذه فرصة لاستكمال العمل على إنجاح المشروع المسرحي الذي بدأه بعد العودة من الدراسة.

الهمّ الأكبر
تنقل أسعد فضة في أعماله المسرحية بين النصوص العالمية التي تلائم جمهورنا وبيئتنا من خلال إعدادها واقتباسها، كما كان همّه الأكبر وجود الكاتب المسرحي السوري والعربي على الخشبة، ومن هذا المنطلق أولى هذا الموضوع اهتماماً كبيراً كإداري ومخرج، وكانت تجربته الأولى في هذا الإطار مع المسرحية اليتيمة ليوسف مقدسي “دخان الأقبية” التي تطرح مسألة الصراع الطبقي، ثم تلاها بالمسرحية الشعرية “السيل” لعلي كنعان التي تعالج موضوع القضية الفلسطينية معالجة شعرية شفافة، ومسرحية “سيزيف الأندلسي” للشاعر نذير العظمة التي تتناول عصر الأمويين في الأندلس، متابعاً فضة التفاعل مع النصوص المحلية ولا سيما مسرح سعد الله ونوس في مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” و”الملك هو الملك” و”مغامرة رأس المملوك جابر” لفرقة المسرح الوطني في فايمار بألمانيا والتي تُعدّ الثانية له كتجربة خارج سورية والتي قدمها مع ممثلين كباراً على مستوى عال من الحرفية والإبداع، إلى جانب مسرحية “السعد” لأحمد الطيب العلج والتي قدمها مع فرقة الجزيرة في البحرين.

التجريب
يقول أسعد فضة عن مفهوم التجريب في المسرح: “فكرة التجريب في المسرح هي البحث عن إيجاد وسائل تعبير جديدة ومبتكرة في العمل المسرحي للتواصل مع الجمهور وإشراكه في العملية كعنصر مهم في العرض المسرحي، والبديهي أن عملية التجريب جزء لا يتجزأ ولا بد أن يتحقق في كل ما له علاقة بالعرض المسرحي وليس فقط في بعض عناصره” وانطلاقاً من هذا المفهوم قام بإعداد وإخراج مسرحية “بداية بلا نهاية” وهي محطة مسرحية مهمة في مسيرته الفنية شارك فيها: مها الصالح، أيمن زيدان، نجاح سفكوني، تيسير إدريس، ويصفها فضة قائلاً: “هي قصيدة هجائية مسرحية للواقع الذي يعيشه الإنسان بشكل عام”.

مؤسس المعهد العالي للفنون المسرحية
عند الحديث عن مسيرة أسعد فضة لا يمكن إغفال دوره في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، فبعد عودته من مصر إلى سورية كان هدفه التأسيس للمسرح أكاديمياً، وبفضل الجهود التي بذلها تأسس المعهد وكان هو مع المخرج فواز الساجر الأستاذين الوحيدين فيه، وقد تعاونا معاً في وضع منهاج التدريس وطرقه، ونجحا في تخريج الدفعة الأولى.. وحول تنوّع المدارس الفنية التي يتعلمها الطالب في المعهد يقول: “الممثل يجب أن يكون مطّلعاً على جميع هذه المدارس ومستوعباً لها، لكن بعد التخرج من المعهد والوقوف على خشبة المسرح لن يفكر بأي مدرسة سيمثّل بل سيلحق إحساسه ومدى فهمه للدور الذي سيقدمه بأسلوبه الخاص عن طريق أداء يتميز به، وأهم ما يحتاجه التمثيل بثّ الروح في جسد الشخصية”.

مدير أول مهرجان مسرحي عربي
استلم فضة إدارة مهرجان دمشق المسرحي الذي يُعدّ أول مهرجان مسرحي عربي، وقد شجّع نجاحُه الكبير بقيةَ الدول العربية على إقامة ما يشبهه في بلادهم تقليداً له، وقد استطاع تحويل مهرجان دمشق إلى مناسبة للخروج بما يفيد المسرحيين والمسرح في الوطن العربي فأُطلِق اتحادُ المسرحيين العرب واتّحاد المهرجانات العربية واتحاد الفنانين العرب وفكرة وجود المسرح التجريبي في دمشق الذي تسلم إدارته سعد الله ونوس، وقد وقف فضة على خشبته في أول عروضه من خلال “يوميات مجنون” لغوغول، ولإيمانه بالعمل الجماعي طلب من ونوس إعداد النص، في حين أسند الإخراج للمخرج فواز الساجر رافضاً أن يقوم هو بإخراجه لأنه كان مؤمناً بموهبة الساجر الذي كان مختلفاً عن كل المخرجين في طريقة عمله، وكان العرض أول مونودراما في الوطن العربي.
بعد مسيرة غنية بالأعمال المسرحية مخرجاً وممثلاً غادر أسعد فضة المسرح نحو الإذاعة والتلفزيون والسينما لسنوات عديدة إلا أنه عاد إلى المسرح عام 2014 بإخراجه لمسرحية “البحث عن عزيز سليمان” للكاتب الأردني عاطف الفراية والفائزة بالجائزة الأولى للمونودراما في مسابقة النصوص العربية في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما دورة 1014 وهو اليوم يقيم بين سورية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
تسلَّم أسعد فضة العديد من المناصب الإدارية في المسرح منذ العام 1967-2006 مديراً للمسرح القومي ومديراً للمسارح والموسيقا في وزارة الثقافة ورئيس المركز الدولي للمسرح في سورية وأمين سر لجنة المسرح في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
بعد الجهود الكبيرة التي بذلها في مسيرته الفنية كُرّم في سورية عدة مرات، كما تم تكريمه في معظم الدول العربية وسُميت قاعة باسمه في المركز الثقافي بمدينة اللاذقية وقاعة أخرى في المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، كما نال جائزة الدولة التقديرية عام 2024.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة