علوان السلمان
النص الشعري تشكيل ابداعي صوري يؤسس له ابعاده الفنية والجمالية والاسلوبية..لمنح متلقيه المتعة والمنفعة الفكرية الناتجة من تداعي الاسئلة..
وباستحضار المجموعة الشعرية (ارصفة الجمر) التي نسجت عوالمها النصية انامل منتجها الشاعر عامر عبد الامير وأسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2024… كونها تعبير عن لحظة انفعالية تتوخى الايجاز وعمق المعنى وكثافة الايحاء لتحقيق خطاب اتصالي يثير الانفعالات ويستفز الذاكرة عبر وحدة عضوية تشكل نسقا جماليا متداخلا والفعل الشعري والاستدلالي والانفعالي الشعوري… باعتماد الفاظ بعيدة عن التقعر والضبابية تهدف الى تحقيق ذات المنتج(الشاعر) في تكوين موضوعي قائم بذاته.. ابتداء من العنوان العتبة النصية المجازية التي تحيل الى عدد من التأويلات كونها تحمل بين طياتها شبكة من العوالم الاستفزازية..فضلا عن انها تشكل نصا موازيا وعلامة سيميائية دالة مقترنة بالايقونات العنوانية الداخلية وظلالاتها المحيطة مما أضفي على المجموعة وحدة عضوية مبنى ومعنى..
بلا ملامح وجوه مدنك الباقية../على شرفات المساء والصبح الكسيح..
وانت وحدك وعقارب الساعة/لاتخفي غير شرنقة الاسماء/لا تعرف غير ارصفة لعواصم الانين../واكاذيب البكارة ـ تؤويك شفاه الحلم../ واقاصيص النساء الاولى..
وتعتصرك في ازمنة الشجون اصابع اللوعة../مشرعة اوراقك الحبلى بالحزن../فاكتب للروح رثاء/على اوراق العصور.. /ص63
فالنص الشعري يستدعي التداعي الذاتي من خلال سرد المكنون النفسي لتجسيد الصراع الداخلي للمنتج.. باعتماد التكثيف والاختزال الجملي الكاشف عن أبعاد جمالية وفنية..,,اضافة الى كشفه عن موقف صادر عن رؤية واعية..متجاوزة للقوالب الجاهزة باعتماده تقنيات فنية معاصرة كـ (الحوار بشقيه الذاتي والموضوعي/ الرمز/الاقنعة/الاساطير.. اضافة الى بعض الملامح الشعبية مع انتقاء الموضوع الفاعل فعله المؤثر رؤية وتشكيلا..
افتح فيك القصائد لأطل/ على أبواب مرت فيها خطاك..
خطاك اسمعها تمشي في (القدس) / تركض من ازيز قنبلة(ببيروت)/ تسير على بحر في(تونس)/تدخل(لمصر) لتخرج (للشام)
يا رجلا ما رآني..يا رجلا ما سمعني..
عشرون صبحا هجرني/ لأسقط منفيا بليل من انين/ مستنجدا فيك من خلف اسواري/ وانا(سرحان)آخر/ اغتال حزني فينتشر الضباب حولي زنزانة..فلا استطيع ان اسأل/عن ساحل يجردني من النسيان../ ص85ـ ص86..
فالنص يتميز بانسياب صوره المكثفة وخيالاتها المتوهجة وحساسيتها المرهفة مع ابتعاد عن الاستطرادات والاكتفاء بالجملة المكثفة القصيرة..مع تركيز على الانزياح والدلالة .. فضلا عن توظيف تكنيكات فنية (لغة شعرية/صورة شعرية /موسيقى شعرية(داخلية وخارجية) تنطلق من بين ثنايا الالفاظ الرامزة..وتقنيات اسلوبية كـ (التكرار الدال على التوكيد( هويته الابيات..والحب المحاط بالخيبات.. هويته الضوء الذي يشرق من بين ابواب الفقراء..).. والتنقيط (النص الصامت)الدال على الحذف (وحيدا على جسر لم يربط سوى الظلام بالظلام..سريره الارق…او كوابيس الاهل المسجونين…)..اضافة الى توظيف الاسطورة(يوصل ما بين الصحراء وجفافي/أو بين الغابات و(خمبابا) الذي يسكنها..).. مع مفارقة تصويرية مفاجئة لتحقيق الايحاء الشعري..( هكذا يميل الى(عبدالخالق السامرائي).. الذي تزوج بآخر العمر…مشنقة… /ص47 .. فالنص يقوم على نسق ينتزع الصور من واقعيتها المتسمة بحسيتها المتوالدة في الذهن وهي صور مقصودة لذاتها في نقد واقع اجتماعي معاش..
ما بين(الكوفة)و(لندن) جسور من المسافات..
انت والشارع وقامات النساء /تتكور حزينا كالضباب او تذكر (بغداد)
لم تمد بجسر (الجمهورية) خطاك/
هي المنطقة الخضراء مسيجة باسمنت الاسرار التي لم نعرفها ..
كنت انا متوحدا بأبيات قصيدة(دنيا)
كنت تجلس عند المكتب/قميصك الابيض….وجرح روحك الخبيء..
القتك الحرب بذاكرتها/لكنك طويت الطرقات/عند(مرايا شعرها الطويل)
هناك علمتني كيف اخط بقلمي تفاصيل العشق / ص7ـ ص8
فالمنتج(الشاعر) يحاول ان يكشف عن الواقع الاجتماعي والانساني بإضاءة النص بصور متعددة ودلالات مكانية لا تخلو من الفعل والحركة، إضافة الى لجوء المنتج(الشاعر)الى الترميز الذي يوحي بدلالات فنية وفكرية كي يراوغ بوساطته خشية التصادم مع الواقع ونظمه وأعرافه..فيقدم نصا تتباين فيه الافكار والرؤى الكاشفة عن الدوافع النفسية والاجتماعية عبر قالب فني تعبيري يقوم على الحدث الذي تسوقه الشخصية مستندة على عناصر التشويق والاثارة..
(عند الفجر/ ارفع رمحي/أحرق خيام فرس حاصروا المدينة/أنا القادم من الطف الجديد/اقارع وحدي جيوش الاسماء المشبوهة/وأفتح كل حرائق النار في مواجهة التتار ) /58..
فالمنتج(الشاعر) ينسج لحظته ويودعها حلمه الانساني الذي يربط بين الذات والموضوع برباط الزمن..وهذا دليل اليقظة الفكرية للشاعر ووعيه بحركة الزمن(المعطى الموضوعي السابق لحركة الانسان وفعله ورؤيته..)
(كنت أعد قصائدي لقصاص /يقطع اقدامي قبل الرحيل.. ويضعني في قاع النسيان/
أنا عودة القمر لاغترابه../وسقوط النجم قتيلا في الوديان../انا اقسم في قدسية الهوى /وقربة ثقبت قبل الاوان / ص46..
فالنص يتميز بدفقة درامية من خلال بروز عنصر الحوار الداخلي الذي يشكل وسيلة التوصيل داخل النص.. كونه تعبير عن ابعاد فكرية وشعورية..مع اعتماد حوار الموجودات لخلق معادل اجتماعي واخراج الاشياء من صمتها وسكونها وانسنتها..اضافة الى اشتراك الحسي والمتخيل في البناء النصي ..فيكشف الشاعر عن انفعالاته الداخلية ..عبر لغة موحية مؤثرة..
وبذلك قدم المنتج(الشاعر) نصوصا شكلت بمجملها تجربة غنية بالسمات الجمالية والمنفعة الفكرية..وهي تعانق الامتداد التاريخي والاجتماعي والمعرفي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة: خمبابا ..هو المارد القوي في ملحمة جلجامش السومرية.. خُلق ليحمي غابة الأرز.. عيّنه الإله إنليل …