هل اختفت عبارة “الجار قبل الدار” وأصبح الجار مصدر قلق وتوجس؟

وداد إبراهيم
هل فقدت عبارة “الجار قبل الدار” أهميتها ولم يعد لها تأثير؟ هذه المقولة التي تعني: اسأل عن الجار قبل اختيار المنزل، لأن الجار قد يكون أقرب إليك من أهلك وأشقائك، لذا يُسأل عن أخلاقه وسلوكه قبل شراء أو استئجار بيت. لكن، مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نشهد الكثير من الحوادث والجرائم التي تنجم عن العلاقات الوثيقة بين الجيران، مما أدى إلى تراجع الشعور بالأمان والاستقرار النفسي. كما انتشرت العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل النفاق والنميمة والفضول، إضافة إلى أن الجيل الجديد أكثر انعزالًا من الأجيال السابقة.
لا شك أن الحياة الاجتماعية والأسرية السليمة تكتمل حين يُعامل الجار كأخ أو كفرد من العائلة، وهذا ما زال قائمًا في بعض العائلات العراقية، التي تحافظ على علاقات جيدة مع جيرانها، وإن كان ذلك بحذر، خشية أن تتحول العلاقة القوية إلى مصدر متاعب إن لم نقل مشاكل.
أم محمد، وهي تسكن في إحدى المناطق الشعبية في بغداد تقول:
لم تعد العلاقات بين الجيران كما كانت في السابق، رغم أن أولادنا يحافظون على صداقاتهم في المدرسة وفي الحي، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تبعدهم عن الأصدقاء بمجرد دخولهم المنزل، حيث يبقون منشغلين بـ(بوبجي) وألعاب أخرى. أذكر أن والدتي كانت تستقبل الجيران باستمرار، وعندما تخبز في التنور، ترسل إليهم أرغفة من الخبز. كما كانت تشاركهم المناسبات مثل يوم زكريا ومولد النبي محمد (ص)، حيث تصنع الحلويات وتوزعها على الجيران. أما أنا، فلم أستطع الاستمرار بهذه العادات، بسبب ضيق الوقت، إذ أعمل معلمة في رياض الأطفال.
أما السيد نعمان جمعة فيرى أن العلاقات القوية بين الجيران قد تجلب المشاكل أحيانًا، وأضاف:
هناك آثار نفسية ومخاطر تنجم عن سوء العلاقة بين الجيران، ولذلك يفضل البعض الابتعاد عنها. لقد أدى ضعف العلاقات الاجتماعية إلى انخفاض الشعور بالأمان والاستقرار النفسي، إضافة إلى انتشار ظاهرة المراقبة المستمرة بين الجيران من خلال كاميرات المراقبة، التي وُضعت للحفاظ على الأمن والحد من عمليات النصب والاحتيال التي يقوم بها بعض المتسولين. كل هذه العوامل أثرت على العلاقات الاجتماعية، وزادت من المسافات بين الجيران، فضلًا عن انتشار بعض الظواهر السلبية، مثل الحسد والنفاق”.
وتضيف أم سعيد، التي تعيش بمفردها بعد سفر ابنها وزواج ابنتها:
أشعر بالوحدة، لكن لا أحد من الجيران يعرف ذلك. أقول لهم إنني سأبيت عند ابنتي، وأغلق الباب من الخارج بالقفل وكأنني خرجت، بينما أبقى في البيت. لم أعد أثق بالغرباء، وأشعر بالقلق من أن يعرف الجيران أنني وحيدة. في الواقع، لا أحد يطرق بابي، كما أنني لا أذهب لطرق باب أحد. أعتقد أن العلاقات بين الجيران تراجعت كثيرًا في السنوات العشر الأخيرة، لا سيما بعد جائحة كورونا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة