تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي: التحديات والفرص

د. سعد حمزة ناصح

تعد قوانين الأحوال الشخصية من أبرز القوانين التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد في المجتمع، فهي تنظم قضايا الزواج والطلاق والميراث والحضانة، وغيرها من المسائل الأسرية. في العراق، يشهد قانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي تم إقراره في عام 1959، تعديلات مستمرة من قبل البرلمان العراقي، في محاولة للتكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية. إلا أن هذه التعديلات تثير العديد من التساؤلات حول التوازن بين النصوص الدينية والنصوص القانونية المدنية. قانون الأحوال الشخصية العراقي يعتمد في كثير من أحكامه على الشريعة الإسلامية، خاصة في مسائل الطلاق والميراث. في المادة 41 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، يتم التأكيد على أن “الزواج عقد بين رجل وامرأة”، وهو ما يعكس تفسيرات دينية في إطار العلاقة الزوجية. لكن التعديلات المقترحة من قبل البرلمان تهدف إلى إحداث تغييرات مهمة في هذا الإطار، مثل منح المرأة حقوقًا أكبر في الطلاق والميراث. على الجانب الآخر، يشمل القانون المدني العراقي، الذي تم إقراره في عام 1951، أحكامًا تتعلق بالحقوق المدنية التي تتجاوز نطاق الشريعة الإسلامية. في المادة 3 من القانون المدني العراقي، تنص على أن “الأسرة هي أساس المجتمع، ويجب حمايتها”، وهو ما يعكس ضرورة حماية حقوق الأفراد داخل الأسرة بغض النظر عن الدين. لكن التحدي يكمن في كيفية دمج هذه المبادئ المدنية مع النصوص الدينية في قانون الأحوال الشخصية، بما يحقق العدالة والمساواة لجميع أفراد الأسرة. من أبرز التعديلات التي تم اقتراحها في قانون الأحوال الشخصية، تعديل مواد الطلاق والحضانة، حيث يتم العمل على منح المرأة المزيد من الحقوق في اتخاذ قرارات الطلاق، وكذلك ضمان حقوق الأطفال في الحضانة بعد الطلاق. إلا أن هذه التعديلات تواجه مقاومة من بعض الأوساط الدينية والاجتماعية، التي ترى أن هذه التغييرات قد تتعارض مع المبادئ الدينية التي يعتمد عليها القانون. إحدى القضايا التي تثير الجدل هي المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، التي تتعلق بالطلاق، حيث تنص على أن “الطلاق بيد الرجل”، وهو ما يعتبره البعض تقييدًا لحقوق المرأة. التعديلات المقترحة قد تتضمن منح المرأة الحق في طلب الطلاق في بعض الحالات، مما يحقق توازنًا أكبر بين حقوق الزوجين. وفي الختام، إن تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يعد خطوة مهمة نحو تطوير النظام القانوني في العراق. لكن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد توازن بين النصوص الدينية في قانون الأحوال الشخصية والمبادئ المدنية التي تضمن حقوق الأفراد. إن الحوار المجتمعي الواسع والتوافق بين مختلف الأطراف هو السبيل الأمثل لضمان تحقيق العدالة والمساواة في القضايا الأسرية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة