شيء عن ثلاثة كتاب كبار أدركهم الموت قبل نوبل وليد الأسطل

خافيير مارياس، مارتن أميس، وكورماك مكارثي، ثلاثة كتّاب كبار، تركوا بصماتهم عليّ، بل وعلى عصرهم وسجّلوا أسماءهم في مجمع الأدب العالمي.
يمكنني القول إنّهم شكّلوا حالة نادرة. أنتجوا أعمالا تنتمي إلى الدرجة الأولى، روايات سيصمد جوهرها في وجه تعاقب الأزمان.
ومن المضحك أن أحدا من الثلاثة لم يضع اسمه على قائمة جائزة نوبل! كان من المقرر أن يحصل عليها مارياس عاجلا أم آجلا، وربما كان سينتهي الأمر بأميس بالفوز بها، أما بالنسبة لكورماك مكارثي، فإن غيابه عن قائمتها يقول الكثير عن الإهمال الأسطوري لهذه المؤسسة المذنبة في الماضي والحاضر. فهي لم تمنح الجائزة لجيمس جويس، وفيرجينيا وولف، وكارين بليكسن، وألبرت كوهين، وفلاديمير نابوكوف… وكثيرين غيرهم.
من بين الثلاثة، بلا شك، بفضل تنوع أساليبه، وعظمة كتاباته، وطريقته التي لا تضاهى في الإشارة إلى تدهور عالم يبحث عن نفسه، عالم مصنوع من العنف والازدواجية، كان كورماك مكارثي هو الذي ذهب إلى أبعد الحدود في استكشاف الأشكال الروائية القادرة على دعم رؤاه المروعة. يمكنني القول إنه كان فولكنريا وماهلريا (جوستاف ماهلر)، مؤلفا لروايات برائحة الكبريت، حيث انفجر فيها إتقانه المطلق للغة وأسلوب التعبير.
لقد ارتحل بالفن الروائي بعيدا جدا، حتى أن رد فعلي الأول بعد قراءتي رواياته، كان اختبار إحساس يقترب من الرعب من فرط عظمة موهبته. أذهلني نثره، وهو نثر دقيق بقدر ما هو رثائي. أشعر بنوع من الخوف أمام روعة أعماله التي غاصت جميعها في قلب الظلام، في باطن الوعي الموحل، مكان اشتباكات قديمة بين تطلعات الرجال المحبطة.
كان الروائي الأميركي العظيم، الذي تمكن، مثل فولكنر أو ملفيل، من وضع نفسه على قمة الأسطورة والتاريخ. عرف كيفية تشكيل اللغة بطريقته الخاصة لجعلها ملائمة قدر الإمكان لملامح دواره الداخلي. طريقته في تمديد المعنى إلى ما لا نهاية، ساعيا إلى التعبير عن العالم وأصوله، عن جنون الرجال وعظمتهم، عن قوة الطبيعة والرحمة والتعاطف والحياة بكل فائضها المأساوي.
إن عالم خافيير مارياس مناقض تماما لعالم كورماك مكارثي: العنف الدموي في سهول تكساس أو نيو مكسيكو يقابله عالم الجامعات الإنكليزية الأكثر خضوعا، ومعابد المعرفة حيث تلعب النساء والرجال لعبة الإغواء التي تبدو باهتة ومثيرة للشفقة.
لم تكن حبكات روايات مارياس ما جعلتها فريدة من نوعها، بقدر ما كانت موسيقاها ودقة وبساطة لغتها التي تلتف حول الشخصيات قدر الإمكان مثل نسيج حريري لتعبّر عن الجسد في رغباته اللامتناهية.
تتمدد جملة مارياس طويلة ومتعرجة، حسية وملتبسة، معذبة وهادئة في نفس الوقت، مثل نهر كسول، غامض، إلى الدرجة التي تجعل القارئ يصاب بالذهول. قصص جواسيس، وخيانات زوجية، وحب، تشترك جميعها في نفس الهواجس: مرور الوقت، القلوب الباكية المكسورة المدعوة إلى مأدبة الكآبة الكبرى، وذبول الحب، وإرهاق الحياة للحواس. يتطرق خافيير إلى هذا كله بروح الدعابة والشعور بالعبثية الذي جعله أقرب إلى كبار الأدباء الإنكليز الساخرين العزيزين على قلبه.
لعب مارتن أميس باللغة أكثر مما عمل عليها. كان هناك نوع من المتعة في إضفاء روح الابتكار والكوميديا والوقاحة على رواياته، مما جعل قراءتها جذابة. أضف إلى ذلك الحاجة إلى التعبير عن الجنون المتعطش للدماء في القرن العشرين. وهكذا تحصل على مؤلف اجتمعت فيه المشاكسة الغريزية مع الرغبة في تصوير الحالة الإنسانية في أكثر صورها شحوبا. إنه حالة يمكن أن أسميها ابتهاج التشاؤم.
نعم، إن رحيل هؤلاء الكتّاب الثلاثة يشبه في كثير من النواحي أغنية البجعة، وداعنا لفكرة معيّنة في الأدب، لا يُمكن اعتبارها ترفيها مبتذلا، ولكن محاولة لاختبار اللغة وجعلها تتوافق مع ضجيج العالم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة