ندى محمد جعفر
“قد تبدو لنا الأفعى ناعمة ولكنها ممتلئة بالسموم”
نحن نتعايش مع أحداث تلك الافعى في وقتنا الحاضر، وكأنها تحمل لنا بعضا من صفاتها السيئة في واقع امتلأت أنيابه بالسموم، ما إن أصابت أحدنا، الا ونقلته الى العدم. أفكارنا اليوم تفرض أنيابها بقوة، محاولة دس سمومها في مشاعر الآخرين دون رحمة. هكذا نعيش ونتعايش اليوم في أوكار مجتمع ممتلئ بتلك الأفاعي المخيفة. قد أصف الفكرة السامة بطريقة تحمل في طياتها البشاعة بعض الشيء، ولكن ما أن نلتف حول الحقيقة، نجد أن ما نتصوره أقل حدة مما نتعايش معه. المسألة لا تقتصر على قبيل معين، بل تتناول مجتمعا أفسد بالكامل، بما تفرضه تلك الأفكار من سلوكيات بعض من الأشخاص، محاولين النيل من رغبات الآخرين، وتثبيط نجاحاتهم، والحد من مقدراتهم الشخصية ومستوياتهم الفكرية، لغرض القضاء عليها أو استهلاكها، أو قد تكون لدوافع نفسية أو مصالح شخصية أو محاولة إثبات الذات، بطمس الآخرين بأسلوب لا يمت إلى العقلانية والتفكير الواعي بأي صلة.
هكذا أفكار لا تتناسب مع مجتمع يحمل مستويات من النضج والتفكير الواعي حيث أن مصدر الفكرة السامة تتكون لدى الأشخاص الذين هم أقرب الى المعاناة النفسية المتمثلة بضعف الذات وانعدام جوانب الثقة لديهم أو قد تتولد تلك الأفكار لدى الشخصيات ذات الطوابع النرجسية نتيجة ارتفاع مستويات الأنا العليا بحيث لا يمكن أن يتصور أن يكون هناك أشخاص يحملون جوانب من الابداع أو لديهم قدرات فكرية عالية الفكرة السامة هي أشبه بالفايروس المتنقل قد يحمله شخص معين وينتج عنه بيئة سامة بالكامل، انطلاقا من مبدأ آخر يدخل ضمن مفهوم الفكرة السامة، وحتى لا تصبح تلك الأفكار ذات مدى واسع، لذا فن فكرة القضاء عليها أمرا هاما، ويحمل شيئا من الضرورة. وإن فكرة القضاء عليها مرتبطة بقوة السيطرة على أفكارنا ومنعها من الغوص في عوالم التفكير السلبية وأخذها الى عالم تسوده الإيجابية وحب الرغبات وتشجيع المهارات الفكرية الأخرى، والاتحاد والتمازج البشري داخل البيئة الواحدة.
أعود مرة أخرى، وأسلّط الضوء عن جذور تلك الأفكار وامتدادها عبر الزمن. ولأن هكذا أفكار لم تكن وليدة اللحظة، بل هي امتداد لما جاءت به بعض الشعوب والمجتمعات البشرية. غير أن قوة بزوغ تلك الأفكار وانتشارها وتوسعها، أصبحت الآن أكثر من ذي قبل. وقد كتب بيرغر عن الأفكار السامة قائلا: “إنها مجرد أفكار “محاولة منه للتوقف عنها أو دعوة لمحاربتها والحياد عنها والتوجه نحو عوالم الإيجابية والتفكير النقي. ثم يعود وليم شكسبير معززا جوانب الثقة والاعتقاد الذاتي بقوله “إذا كنت تعتقد أنك تستطيع أن تفعل شيئا، أو تعتقد أنك لا تستطيع فعل شيء، فأنت على حق” مشيرا الى غربلة قدراتنا وامكانياتنا الذاتية في مواجهة تلك الأفكار والهجمات الفكرية الشرسة. وبالفعل ما يدهشنا حقا، وما يثير لدينا شعور الاستغراب، هو كيف يمكن أن نتعايش مع فكرة بإمكانها أن تكون مدمرة للغاية، أو سلوك يجلب لنا شعور الاستياء. كيف يمكن لمجتمع أن يمضي خلف فكرة تمحق المهارات وتشل القدرات، إذ أن فكرة التخاذل أمام محاربة هكذا أفكار بإمكانها أن تعكس صورة التقبل والاحتضان لها دون النظر لحصيلتها.
أفكار تفسد المجتمع
التعليقات مغلقة