مهرجان الكميت الشعري الثامن العمارة تحلّق بالشعر وبطائرها الميسانيّ عيسى الياسري

د. رائدة العامري
احتفلت مدينة العمارة ومحافظة ميسان العزيزة ابتداءً من يوم الجمعة 13-12-2024 بمهرجانها الشعري السنوي (مهرجات الكميت الشعري) في نسخته الثامنة، في ظلّ حفاوة كريمة من اتحاد أدباء ميسان والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بمشاركة وزارة الثقافة العراقية، وتحت رعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، وقد تنوّعت احتفاليات الافتتاح الجميلة بمعارض تشكيلية ومشاركات فنية لأطفال الروضة وفرح يمتدّ ولا ينتهي على مدى أيام المهرجان.
حضر شعراء العراق من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب ومن التاريخ والفضاء والحرية والديمقراطية؛ من أجل رفع شأن الكلمة الحرّة إلى أعلى ما يكون بقوة الإحساس وقوة الروح وقوة الأمل وقوة الإيمان بالمستقبل، مثلما حضر ثلّة من نقّاد العراق ومن الأكاديميين البارزين في الجامعات العراقية لتقديم أوراقهم النقدية، وقد احتفوا فيها بالشعر العراقي وبتجربة الشاعر المميز عيسى حسن الياسري، وحققوا إضافات فنية وجمالية يمكن أن تؤسس لرؤية نقدية واسعة تعنى بالأدب العراقي بشكل غزيز ومنتج.
لا شك في أن المهرجانات الشعرية من هذا النوع حين ترتبط بتجربة شاعر له خصوصية في المشهد الشعري العراقي مثل الشاعر المبدع (عيسى الياسري) ـــــ وهو ابن ميسان وشاعرها الذي تغنى بجمالياتها وناسها ومناظرها وطبيعتها منذ أول دواوينه ـــــ ؛ لا بدّ أن تكون ناجحة في مقياس توكيد الحساسية الشعرية النوعية الخاصة، تلك التي تتمتع بها تجربة الشاعر من نواحٍ عديدة فنية وموضوعية، فهو على الرغم من غربته منذ أعوام طويلة لكنّ العمارة وميسان بتفاصيلها الثرية والغنية ظلّت حاضرة في روحه وتجربته ومخياله الشعري الغزير، وهو الشاعر الحامل لصورة الوطن في أدق تفاصيله وتجلياته الاجتماعية والثقافية والطبيعية، بما يجعل تجربته واحدة من التجارب العراقية الشديدة الخصوصية على المستويات كلها.
لقد استذكر بعض الشعراء الذين ألقوا قصائدهم على منبر الكميت الشعري هذه التجربة الخصبة؛ مثلما تدارس النقاد والأكاديميون عمق شعرية هذا الشاعر، وهنا تكمن قيمة مثل هذه المهرجانات عندما تحتفي بفارس من فرسان الشعرية العراقية، لتكون الأجيال اللاحقة على معرفة وإدراك بقيمة من سبقهم في حقل الإبداع، ومعرفة التجارب الأصيلة التي أسهمت في تطوير الشعرية العراقية ضمن مساحات إبداعية خلاقة لا بديل لها، فكانت مدينة العمارة على موعد مع هذا العرس الثقافي والأدبي والشعري والنقدي المميز.
إن هذا المسار الإبداعي الذي اختطه اتحاد الأدباء في العراق بهذه الرؤية النموذجية جعل من مدن العراق بأكملها ساحات ملوّنة بالفن والجمال، فلا يكاد ينتهي مهرجان شعري أو ملتقى ثقافي أو ندوة نقدية أو نشاط فني؛ حتى تشرع ماكنة الاتحاد الإبداعية الخلاقة بافتتاح مهرجان آخر وملتقى آخر وندوة أخرى ونشاط فني وإبداعي وجمالي آخر، ضمن رؤية بارعة وأصيلة تحوّل العراق إلى مهرجان جمالي يبدأ ولا ينتهي، ويمتدّ في ربوع وطننا الحبيب في كل بقعة مضيئة من بقاع الوطن بلا استثناء، حيث يتألق أدباء العراق كلهم في هذه المحافل وهم يعبّرون بكل سرور عن تجاربهم الحرّة الأصيلة تحت هذه الخيمة الكبيرة الواسعة، خيمة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين التي تضم الجميع بلا استثناء بأندر صور المحبة وأعلى تشكلات الجمال، وكأنّ لوحة بانورامية تجمع مدن العراق كلها في تموّج جمالي واحد يحكي حضارة عمرها سبعة آلاف عام، علّمت البشرية ما لم تكن تعلم من صنوف العلم والمعرفة والفكر والفلسفة والثقافة والأدب والشعر بالصورة التي تضيف إلى التاريخ الشيء الكثير.
ينهض اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بهذه المهمة الوطنية الشريفة في ظلّ عراق جديد يتّجه نحو أفق حضاري يرسمه أدباء العراق وفنانوه بثقة كبيرة، وحين ترتفع هذه الرايات الشعرية والنقدية في سماء ميسان على هذا النحو الرائع، فإنّ الشعرية العراقية بخير وسلام وكذلك النقدية العراقية بخير وسلام، إذ تقاطر شعراء العراق ونقاده إلى مهرجان الكميت في نسخته الجديدة المضيئة بهم وبأرضها وبسمائها وأناسها الطيبين، حتى تكون الكلمة العراقية الحرّة في مكانها الصحيح والقويم لأجل مستقبل مليء بالضوء والنور.
فالبلد الذي يعتمد في بناء حضارته وتشييد أفقه الثقافي على طبقة الأدباء والمثقفين والنقاد؛ فإن مستقبله مضمون ومحروس بكل آيات الجمال والرفعة والألق التي تتجلى في نماذج الأدب الرفيع بكل أجناسه وأنواعه وتمثلاته واستراتيجياته، حيث تتواصل المشاركات والإسهامات العالية من كل حدب وصوب هنا في مدينة العمارة الغالية، وهي ترتقي سلّم الفن والجمال نحو سماء ملونة بألوان الإبداع، على يد شعراء العراق من أقصاه إلى أقصاه في فسيفساء ملوّنة تتجلى فيها أروع آيات الروح العراقية المجيدة الأبية.
شاركنا في الجلسة النقدية المخصصة لتجربة الشاعر المبدع ببحثنا الموسوم بـ (الطبيعة دالاً تشكيلياً- دراسة جمالية في شعر عيسى حسن الياسري)، وقاربنا فيه تجليات الطبيعة بوصفها مصدرا من أهم مصادر شعريته، وكي تكون الدراسة مستوفيه منهجيا وموضوعيا لشرط العنونة فقد انتخبنا القصائد من أعماله الكاملة بأجزائه الثلاثة، حتى نؤكد في تحليل هذه القصائد على وفق منهجية الموضوع النقدي طريقة تعامل الشاعر مع متخيّل الطبيعة، ودرجة إسهام هذا الموضوع بمرجعياته المعروفة في منح تجربته الشعرية هوية معيّنة نقلت تجربته إلى مرحلة أكثر خصوصية، ونحسب أن رؤيتنا البحثية في هذا المجال يمكن أن تكون إسهامة فاعلة في وضع تجربته الغزيرة على المحكّ النقدي بكل موضوعية ودقة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة