هل نحتاج إلى دراسة قواعد المدرسة الكلاسيكية لكي نصل بها إلى التجريد والحداثة؟

هشام الحبيب
سؤال مهم جدا في الساحة التشكيلية الناشئة، إذ انتشر مؤخرا الكثير من الأعمال الرديئة والعبثية تحت مسمى التجريد والتكعيب والحداثة، حيث يعتقد الكثير من الهواة أن مجرد وضع ألوان ومكعبات وخطوط بشكل عشوائي على سطح اللوحة، يمكن أن يخلق عمل فني مكتمل تحت اسم التجريد او التكعيب والحداثة، وهو ما أدى إلى انتشار الكثير من الفوضى الفنية، وفتح الباب لكل من يعبث تحت مسمى “الخروج عن القواعد التقليدية”، اعتقادا منهم أنه لا حاجة لدراسة وفهم قواعد وأصول الرسم الصحيحة.
و هنا يمكن أن نأخذ حالة بيكاسو التكعيبية، ومراحل تطور وصوله إلى مكعباته المدروسة ..
بدأ بيكاسو حياته من الطفولة في مدارس الفن الكلاسيكية التقليدية، فتعلم علم التخطيط والمنظور والأبعاد والكتلة، وفهم أصول علم الألوان وأسرارها، استغرق سنين حتى نضجت عنده الأفكار وتمرست يداه على الأعمال العظيمة، ثم بدأ يتطور مفهوم الفن عنده إلى ان وصل إلى التكعيبية الحديثة مرورا بانطباعية سيزان (سيزان أبو الفن الحديث) الذي أثر كثيرا في حياة بيكاسو. إلى أن وصل إلى التكعيبية.
ملاحظة مهمة: لاحظ القدرة على رسم الشبه لنساء بيكاسو بين الحقيقة و المكعبات وهو ما يدل على التزامه لقواعد أصول العمل الكلاسيكية مع إفساح المجال للحرية في الحركة في فرعيات العمل وهذا هو بيت القصيد… عمل كامل متكامل حقيقي ..
هكذا يكون التدرج الحقيقي غير الكاذب، للوصول الى التجريد في الحالة الفنية الصادقة، يقول دلاكروا العظيم “من لا يستطع أن يرسم انسانا وهو يهوي من الجبل قبل أن يصل الى الارض فهو ليس برسام” والمقصود هنا هو معرفة أصول التخطيط والمنظور والأبعاد بشكل صحيح.
إن الحالة التجريدية هي امتداد غير منفصل عن الكلاسيكية، بل هي تجريد الكلاسيكية من ملابسها مع المحافظة على هيكلها العظمي، مثلها كمثل التكعيبية التي جردت الخطوط الكلاسيكية ونقلتها الى خطوط مستطيلة ودوائر هندسية ولكنها لم تخرج من المحافظة على الابعاد والمنظور التي اكتسبتها من المرحلة الكلاسيكية….
في لوحة للفنان 1837-1899 Maris يظهر جليا التجريد الحقيقي من الحالة الانطباعية المستندة على التخطيط و المنظور الكلاسيكية، ونقلها للحالة الفنية التجريدية بنجاح فائق بدون غش وتغليف.
إن المتدرب الحقيقي لا ينبغي له اجتياز مرحلة على حساب أخرى، فلا يجوز الدخول على التجريد بدون معرفة حقيقية للحالة الانطباعية الممتدة من الكلاسيكية التي تحافظ على المنظور والبعد والتخطيط السليم الذي يضمن العمل السليم.
ونستطيع أن نضرب مثلا في اللغة، فالكلمة إذا جردت من الحروف الدخيلة عليها رجعت الى أصلها وبدون الكلمة المصدر لا نستطيع الحصول على تصريف الكلمة فكلمة فنان مصدرها “فن” وكلمة فني مصدرها ” فن” فالأصل هي كلمة فن والباقي تصريف المصدر. فالكلاسيكية هي مصدر كل ما جاء بعدها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة