“في الرابط أدناه” والتركيز على الواقع الاجتماعي

علوان السلمان

القصة القصيرة موقف مؤطر باطار الحياة وموجوداتها.. بنسج يكشف عن الدلالات النفسية والعلاقات الاجتماعية..من خلال استلهام الوقائع والاحداث..التي يقتنصها منتج( قاص) بارع يمتلك قدرة على استبطانها والخروج بها من دائرة الحدث الطبيعية الى عوالم الشمولية.. كونها نسج يعتمد التكنيك الفني المتحرك ما بين الزمكانية وحركة الشخوص والكشف عما يدور بدواخلها باستخدام اسلوب الحوار (الداخلي ـ المونولوج ـ ) الذي هو حوار الذات ..والخارجي(الديالوجي) حوار الشخصيات التي تعبير عن الواقع المتداخل مع الخيال لتشكيل وظيفتها الايحائية.. ومن ثم تحقيق المتعة الجمالية والمنفعة الفكرية.. وبذا تحقق القصدية التي تتمثل في كون السرد حافزا لأساسات واقع جديد.. من خلال قدرة المنتج على تحريك الواقع وتفجيره عبر وعيه وخزينه الفكري..

وباستحضار المجموعة القصصية (في الرابط ادناه..) التي نسجت عوالمها السردية انامل منتجتها زينب حسن واسهمت دار السرد في نشرها وانتشارها/2024..كونها تركز على الواقع الاجتماعي الذي يخلق الوعي الاجتماعي..ابتداء من ايقونتها العنوانية والعلامة السيميائية الدالة على المكان…
(كل الاخبار التي تقلق خاطري تدعو الى الموضوع الذي في الرابط أدناه..رد بتحفظ وصوت محبط:وددت ان اطلعك على اخبار القبول..لقد ظهرت القائمة النهائية وانا وانت غير مشمولين بمنحة السفر للدراسة..
ـ ماذا ؟ انا وانت اعلى الدرجات في القسم, بل الدفعة كلها..كيف حدث ذلك؟ (بدهشة كأن صاعقة سقطت عليها) يرد بخيبة أكبر: الاجابة في الرابط ادناه..).. /ص74..

فالمنتجة(القاصة) تهتم بالوصف وتحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية والصراع القائم داخل المجتمع والتي تكشف عن قدرة فنية في التقاط المشاهد الحياتية عبر لغة حوارية تفصح عن مكنونات الذات.. وتكشف عن دخيلة الشخصية القصصية ومدى تفاعلها والخارج… باتكائها على لغة تمتلك دلالاتها لخلق تركيبة مكونة من الحلم المتداخل مع الواقع..لتضفي على نصها تسجيلية تمتلك قدرتها على التقاط اللحظة العيانية باستخدام اسلوب التصوير السريع للمشهد والاستعاضة عن النقص في الجانب الحياتي..لذا كانت قصتها تسير بنسقين متداخلين اولهما واقعي ..وثانيهما تخييلي..

( في البداية لم أعد أبالي بخطواتي التي تعثرت بشيء لصق بحذائي. كي لا أفسد نشوتي في السيطرة على مادة الامتحان واتمامها بشكل جيد, لكنها أزعجتني جدا كدت أقع بسببها..نصحتني صديقتي شهد بأن أتفحص ما الذي أعاق سيري..وقفت جانبا لأرى ما الذي التصق بحذائي وعرقل خطواتي، وإذا بها قطعة من الكارتون(مبعجة) بطريقة كأن صاحبها امتعض منها ورماها والتصقت بعلكة واصبحت كتلة تشبه الحجر , لم يطل الوقت فالفضول جعلني أفتح الكارت وإذا به لأحد المرشحين للانتخابات) ص57ـ ص58..

فالنص مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية لتعطي بعض التفسيرات المتسلطة على ذهن المنتج ..حتى ان السرد عندها يصير قطعة من حياة متحركة لا تعرف السكون بمشاهدها التي تكشف عن وعي سردي. باعتماد لغة تلامس الوجود بكل مكوناته ونبضه اليومي مانحة مضمون السرد بايحائية شاعرية..مضفية على جمله وتراكيبه المشهدية طراوة واضحة المعالم.. دغدغت مشاعر المتلقي وحركت خزانته الفكرية.. من خلال نسيجها اللغوي المجاري للمساتها السردية المعبرة عن بواطن النفس واضطرابها..باعتماده الجمل السريعة بدلالاتها وصورها الحركية وانتقالاتها المفاجئة..

(تقبل الوسادة وتضع حاجات على الدولاب المجاور للسرير وتنظر للوسادة وكأنها تتحدث مع شخص..استغرب تصرفها وذهب الى الممرضة المسؤولة عن الردهة وسألها عن هذه المريضة في الغرفة المقابلة وعن هذه الزائرة, دون ان تلتفت للغرفة ومعرفة تفاصيل من هي الممرضة عرفت من يقصد, فأخبرته بأن هند البنت الوحيدة لامها رافقتها ثلاثة أسابيع حتى اجراء العملية الكبرى لها ولم تتركها يوما واحدا سوى اليوم الذي ذهبت فيه للبيت لإحضار بعض الحاجات ولما عادت وجدت السرير فارغا وابلغوها ان امها في ثلاجة المشفى..منذ ذلك الحين وهي لم تقطع زيارة السرير..) ص15ـ ص16
فالنص يبدأ من مستوى الوعي ولكنه يغيب في مشاهد ويغوص داخل مستوى اللاوعي ليكشف عن الوهم الذي يتحرك والواقع المكتظ بتفاصيل الحياة ومفاصلها .. فكانت المنتجة تسجلها وتتعامل مع العادي منها لتشكل همها ..وبالرغم من ذلك فإنها لا تتجرد من دفئها ولحظتها المشبعة برائحة الحياة وشخوصها النامية ..المكتنزة بوعيها الاجتماعي وانفجار هواجسها بالحيوية والدرامية التي منحت حضورها من زوايا متعددة ابداعا مضافا غطى امتدادات الجسد السردي..

وبذا كانت المنتجة(القاصة) في رابطها منتجة لسرد مملوء بشحناته الدلالية وتكثيفها العوالم المحيطة بها وترميزها وابتكار اللحظة المتجاوزة..كونها تنتج ابداعا تحمله ريشة مبدعة بالتقاطها تفاصيل الواقع وتفجيره..اذ تمكنت من املاء المساحات الزمنية واشغالها بالاحداث النامية..المقترنة باستجابة شخوصها .. مع ابتعادها عن اسلوب السرد الممل واقترابها من التخييل والمجاز في التصوير ومزج الحقيقة بالحلم.. من اجل تحقيق لقطات مشهدية غنية بحوارها الذاتي الذي نفذت بوساطته الى اعماق اجتماعية كشفت عن دواخل الشخصية بما امتلكت من ايحاء لفظي..وتكثيف العبارة.. فضلا عن قيامها على الاختزال الجملي والضربة الاسلوبية الادهاشية المفاجئة.. .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة