قراءةّ في أروقةِ معرضِ الكويتِ الدولي للكتابِ الـ 47

أشرف عزمي
أدهشتني تلك الجملة ذات الثلاث كلمات ( العالم في كتاب ) كم هي معبرة واسعة الايحاء وأكثر من كافية لتكون شعارا لمعرض الكويت الدولي للكتاب الـ 47 .
والكويت الشقيقة دولة لها تواجد راسخ في وجدان كل مثقف عربي من المحيط إلى الخليج بل وأزعم أنها لها نفس التأثير على كل من يقرأ بلغة الضاد في الكرة الأرضية، من ينسي من مواليد السبعينات وما بعدها هذا النهر الثقافي الذي تدفق من الكويت بمطبوعات رخيصة الثمن عالية القيمة الفكرية لتناسب كل الطبقات ونجدها في كل أكشاك الصحف والجرائد وكل المكتبات وننتظرها من الشهر للشهر هل هناك من ينسي مجلة العربي أو العربي الصغير أو السلسة الفكرية الرائعة عالم الكتاب وكل فروع السلسة من عالم الرواية وعالم المسرح وخلافه، والقائمة طويلة كان القائمين على الأمر في الكويت يرون أن بناء المثقف العربي لا يقل أهمية عن بناء المجتمع العربي فكان لهم فضل السبق وفضل الإجادة في هذا المجال.
من هذا كله لا نستغرب من عنوان المعرض لهذا العام ” العالمُ في كتابٍ ” .
وفعلا العالم ليس إلا كتاب فيه فصول كثيرة، فالفضاء فصل من الكتاب الكبير والكرة الأرضية فصل من فصول الكتاب، وأنا وأنت وكل وما تحتويه نفوسنا من تعقيدات فصل من فصول الكتاب، والأرض وما حولها من نجوم ومجرات فصل من الفصول في كتاب الكون الكبير.
كم كانت لاختيار هذا الشعار دلالة قوية على أنّ الكتابَ هو السبيلُ لمعرفة ذواتنا وتجاربَ الآخرين، ولمعرفة كل علوم الدنيا……. “العالم في كتاب” المرادف المباشر لفكرة شمولية المعرفة، التي يحرص عليها المعرض هذا العام.
كان الشعار جاذبا لمن يتوقُ لمعرفة العالم، ادخلْ تجَوّلْ اقتنِ ما شئتَ من فروع العلمِ والمعرفةِ، لا أخفيكم قولا أنّ تلكَ الأفكارَ ظلت تراودني عندما وقعَتْ عيني على هذا الشعار فدوَّنتُها واقعاً تحت تأثير دهشتي وعميق شكري لمن وُفِّقَ في اختيار هذا الشعار.
بين أروقة المعرض وانسياب الفعاليات تحركتُ متأبطًا إعجابي، أرصد بعين مبدعٍ يحملُ على عاتقه توفيرَ المعرفة، فمِنْ حقّ كل إنسان أن يحصلَ عليها بأسهلِ الطرقِ، بل من حقه أن تكونَ المعرفةُ كالماء والهواء، وها أنا وجدتُ ضالتي وسط هذا الكم من الفعاليات المختلفة التي تنوٌَعَتْ بين الشعر والسرد والأدب الشعبي والعديد من ورش وملتقيات الأطفال باستخدام تقنياتٍ حديثةٍ، والورش الفنية والثقافية التي كانت تتزاحم داخلَ الرواقِ الثقافي والمقهى الثقافي على هامش معرض الكويت الدولي للكتاب الذي اختار المملكة الأردنية الهاشمية ضيفَ شرفِ الدورةِ بحضور سعادة وزير الثقافة الأردني/ مصطفى نصر الرواشدة،
حيثُ تنوَّعَتْ عناوينُ الفعالياتِ بين ضيف الشرف وبين الكويت ومبدعيها والعديد منَ المشاركات العربية المختلفة فكانت عناوينُ الندوات والمحاضرات خيرَ دليلٍ على انصهار مبدعي الوطن العربي في معرضهم للكتاب بالكويت، حيثُ برزت الأردنُ في العديد منَ العناوين كضيفِ شرفٍ، والتي أظهرتِ العديدَ من مناحي الابداع الأردني والعلاقات بين الدولتين الشقيقتين الكويت والأردن مثل:-
( محاضرة العلاقات الثنائية بين الكويت والأردن – محاضرة الصناعات الثقافية والإبداعية في الأردن – ندوة المشهد الثقافي في الأردن – ندوة المشهد الفني في الأردن )
القوة الناعمة المشهد الذي يثلج قلبي رؤية أبناء الوطن الواحد يجمعهم مكانٌ واحدٌ واهتمامٌ واحدٌ، فما لا تحققه السياساتُ قد يحققه الابداعُ، حيثُ تجلّتْ مشاركاتٌ عربيةٌ متعددةٌ في ندواتٍ متعددةٍ جمعهم( الإبداعَ والفكرةَ و أناملَ الشعر وفضفضةَ السردِ وإبهارَ الصورةِ مسرحاً وسينما وموسيقى) أفكارٌ تتخطى الذات، تحلقُ في براحِ الوجدانِ لتنقشَ بصماتٍ منَ المعرفةِ، مزيجٌ منَ العروبةِ تجلى في الندوات والورش المختلفة للمعرض، فما من ندوةٍ أو ورشةٍ إلا ونجدُ مقدمها وضيوفها من أكثر من دولةً عربيةً، بل إنّ الجمهورَ أيضا من جنسيات عربية مختلفة، ويؤكدُ بعضُ عناوين الندواتِ والورشِ كلامي هذا مثل:-
(جلسة حوارية شعرية للشاعرين السعوديين/ إبراهيم مبارك – محمد الحرز والشاعر الكويتي علي حسين الفيلكاوي – محاضرة راهن الرواية العربية التي قدمها المصري/ محمد فتحي علي وتحدث فيها الروائية الليبية/ عائشة إبراهيم والروائي والناقد السعودي/ د. حسن النعمي – الأمسية الشعرية للشعراء جاسم الصحيح .. السعودية = حسن المطروشي.. سلطنة عمان = نجاة الظاهري .. الإمارات تقديم الإعلامية الكويتية/ أسرار الأنصاري – محاضرة الحكم والأمثال الشعبية المتحدث د.محمد حسن عبدالحافظ .. مصر أدار الحوار د.خلف الخالدي .. الكويت ) حيث جاءت كلُّ الفعاليات والندوات والورش تحمل هذه التوليفة العربية التي إن دلت تدل على الترابط الثقافي والإبداعي لغرْسِ هويتِنا الثقافية العربية في وجدان الأجيالِ القادمة.
البناءُ ورعايةُ النشء والطفولة كان له نصيبُ الأسد في معرض الكويت الدولي للكتاب 47، هذه المادة الخام للنقش للتوجيه كما يؤكد المثل المصري الرائع
( التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ) حيثُ ازدحمَ جناحُ الطفل المخصص بالمعرض بخلية نحلٍ منَ الأطفال يتعلمون كلَّ مناحي الحياةِ، يشكلون بالرسم والألوان ما يجيشُ بوجدانهم حيثُ تنوعت فعالياتُ جناح الطفل بين الألعاب والرسم و القصص المفيدة البناءة مثل ( قصة التنمر – قصة حب الوطن – رسم وقراءة معا .. وغيرها ) والتعليم الحرفي والأشغال اليدوية مثل ( تصميم حوض سمك – تصميم أزياء – الزي الشعبي .. وغيرها ) وورش علوم كيميائية وصحة الأسنان والتغذية، هكذا يتحقق للطفل بناءٌ بدنيٌ وفكريٌ وإبداعيٌ يستطيع به أن يواجهَ العالمَ من حوله.
في النهايةِ أستطيعُ أنْ أوكّدَ بقلبٍ مطمئنٍّ وذهنٍ صافٍ ووجدان مُحِبٍّ للثقافةِ والإبداعِ أنَّ معرضَ الكويت الدولي للكتاب 47 – والذي شرفتُ بأن أكونَ أحدَ ضيوفِه بدعوةٍ من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت الحبيبة.
معرضٌ شاملٌ منفتحٌ على الثقافةِ العربيةِ والعالميةِ يبادلها المعرفةَ والوعيَ والإبداعَ مطمئنا بهويته العربية فاتحا ذراعيه للجميع، وبكل الودِّ والمحبةِ أتوجه بعظيم شكري وامتناني إلى صاحب السمو الشيخ/ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت على رعايته الكريمة للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، وبخالص محبتي وشكري للسعادة الدكتور/ محمد خالد الجسار .. الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، والاستاذة/ عائشة المحمود .. الأمين المساعد للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت والأستاذ/ خليفة رباح .. مدير معرض الكويت الدولي للكتاب على حسن التنظيم والإدارة ليخرجَ المعرضُ بهذا الشكل الرائع، ولا يفوتني أن أشكرَ كتيبةَ التنفيذيين الذين لم يبخلوا بأي جهد في تنظيم الفعاليات والندوات وأروقة المعرض.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة