من المعلوم أن اهم مطالب المتظاهرين، هو وقف الهدر الكبير في المال العام، من خلال منح فئات معينة امتيازات مالية كبيرة، خلافا لمبدأ المساواة التي نصت عليها المادة 14 من الدستور. ومن تلك الفئات كما هو معلوم الدرجات الخاصة وأعضاء السلطات الثلاث، حيث يمنحون بموجب قوانين وتعليمات خاصة، امتيازات مالية كبيرة، كذلك منح بعض الفئات حق الجمع بين راتبين أو أكثر. وهذه الأسباب كانت سببا لتذمر فئات واسعة من أبناء الشعب، خصوصا أولئك الذين لا يملكون راتبا واحدا، ولا يملكون أي دخل يمكنهم من العيش الكريم. وقد سارع مجلس النواب الى تلبية تلك المطالب من منذ الأيام الأولى للتظاهرات، من خلال قيامه بإصدار قرار يقضي بإلغاء مجالس المحافظات وإلغاء امتيازات الدرجات الخاصة والوزراء والنواب. وعندما لم يرض الشعب على تلك القرارات، بوصفها غير قانونية، حيث أن تلك الامتيازات قد وجدت بموجب نصوص قانونية، ولا يمكن إلغاؤها إلا بنص قانوني آخر. وفعلا أذعن المجلس مجددا للضغط الشعبي، عندما قرر إلغاء تلك الامتيازات عن طريق تشريع قوانين وليس عن طريق القرارات. وكذلك إصدار قانون إلغاء مجالس المحافظات، خصوصا وأن تلك المجالس قد انتهت ولايتها منذ عدة سنين ولا يوجد مبرر لوجودها في الوقت الحاضر، حيث أثبت تجربة مجالس المحافظات فشلا ذريعا إضافة الى أنها تثقل كاهل الدولة من خلال منح أعضاء تلك المجالس رواتب ومخصصات لا تتناسب مع الجهود التي يبذلونها أو الخدمات التي يقدمونها.
ولا يوجد أي مانع من موافقة الكتل السياسية على تلك القوانين، بسبب التيار الشعبي العام والمتمثل باستمرار التظاهرات المطالبة بالإصلاحات من تلك الاصلاحات، هي منع هدر المال العام ومنح فئات محددة امتيازات مالية على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب. إن تحرر الموازنة العامة للدولة من رواتب أعضاء مجلس المحافظات ومخصصات وامتيازات الدرجات الخاصة والرواتب الاضافية لبعض الفئات، يعني تحقق وفرة مالية كبيرة، يمكن الاستفادة منها بشكل أو بآخر، اما عن طريق منح بعض منها للفئات التي تستحقها، كالفئات المشمولة برواتب الحماية الاجتماعية أو الفئات المتعففة والتي لم تتمكن من التسجيل في دوائر الرعاية الاجتماعية، وكذلك يمكن الاستفادة من تلك الأموال في تحريك عجلة الاقتصاد وإعادة تأهيل المشاريع المتلكئة والتي تعاني اليوم من الاندثار والاهمال. كما إن الحديث عن العجز الكبير المتوقع في موازنة عام 2020 ينبغي أن يخف بشكل كبير، نظرا لتوفر تلك المبالغ. إن بيان مدى تحقق تلك الوفرة، ومدى الاستفادة منها يحتاج الى دراسات رصينة من قبل مختصين بالشأن الاقتصادي، وهو أمر يمكن حدوثه فعلا، نتيجة لوجود جهات تراقب الجانب الاقتصادي وتعمل على دعم وتأهيل الاقتصاد العراقي.
سلام مكي