الفن المؤدلج حقائق وخفايا

فريد حسن
تُعدّ إفرازات أي مجتمع بتنوعه الأيديولوجي ضرورة وحاجة ملحّة، إذ يسهم التنوع الفكري في إثراء الصيرورة المجتمعية. ومع ذلك، هناك خيط رفيع يفصل بين تبني الأيديولوجيا كوجهة نظر ورأي، وبين اعتناقها كقناعة متشددة غير قابلة للنقاش. وتتجلى خطورة الأمر عندما يتحول التمسك الأيديولوجي إلى تطرف. فاهتمام فلاسفة علم الجمال المعاصر بدراسة العلاقة بين الفن والأيديولوجيا من زوايا مختلفة ، ويمكن دراسة هذه العلاقة بشكل واضح في علم الجمال الماركسي ، لأنه اهتم بشكل مباشر بطبيعة هذه العلاقة ، واهتم بتأسيس علم جمال مادي ، ويمكن أن نقدم أهم التصورات التي قدمت ، وهي تبدأ بملاحظات أنجلز التي يقارن فيها بين الفن والنظرية الاقتصادية والسياسية ، ويعتبر الفن أكثر غنى وأقل تحديداً من النظريتين المذكورتين بسبب كونه أقل التصاقاً بالأيديولوجيا ، التي هي ليست مجموعة من المعتقدات المذهبية فقط لكنها تشير إلي الطرائق التي يحيا بها البشر و تحديد أدوارهم في المجتمعات الطبقية ، وإلى القيم التي تربطهم بوظائفهم الاجتماعية ، وهذا يبين أن العلاقة بين الفن والأيديولوجيا أكثر تعقيداً من تلك العلاقة التي الأيديولوجيا بالقانون والسياسة ، لأنهما أكثر ارتباطاً بالواقع و هنا لا بد الإشارة الى تمثلات واقعية تتجسد بها تلك العلاقة المتأصلة في اديولوجيات الفن الحديث و المعاصر و مستوياته الخطابية لكن هذا يعتمد على مستويات الوعي في التلقي، و ما يحمل هذا التوجه في الفن من مزيج المعاني المضمرة و الرسائل الضمنية , ضمن السياقات الثقافية للمجتمع , أن قدرة الفنون بتشكيلاتها و تنوعاتها كالنحت و الرسم و التصميم الجرافيكي و الموسيقى و المسرح و السينما كلها اثمرت في الكشف عن تصورات الوعي و اللاوعي للإنسان في ان واحد ؟ فبرغم من نشوء مدارس الفن ذات التوجه الأيديولوجي تحديدا مثل ” الواقعية الاشتراكية أو مدرسة ” البنائية الروسية ” التي حددت التأثيرات و جعلت جزء من مرتكزاتها النفعية هو تحشيد العواطف و تعزيز الاقناع، بلغة بصرية لجعل المشاهد أكثر رصانة و تحقق الاستمالة الوجدانية، مع فتح مساحات في التعبير الجمالي , كان هدفها الوصول للواقعية التي تستند الى مخيلة الفنان ؟ إن النهج الجديد في الفن بعد إن كان حكراً على المنظومة الدينية في عصر النهضة و ما تلاه , أصبح مجموعة من التخيلات الأيديولوجية مهمتها الحشد و التعبئة الجماهيرية , و التي تعزز ديمومتها في السلطة , و خاصة في مرحلة نشوء القوميات الكبرى , و ما شهدته من تحولات , أثرت على توجهات المجتمعات في تلك الحقبة. وهناك شواهد فنية على المستوى المحلي هي مجمل الأعمال الفنية التي تزامنت مع نشوء النظام الجمهوري في العراق عام 1958 وهي ماتزال شاخصة الى يومنا هذا وقد أصبحت جزءا من الهوية الوطنية للعراق، ومن أهمها جدارية ” السلام ” للفنان فائق حسن ونصب الحرية ” للنحات جواد سليم والتي تجسد بشكل واضح حركة المجتمع الجديدة وفق معطيات تحايث الاشتراكية في نهجها، فهي ناتجة عن التنوع الاظهاري الذي يجسد التماسك وصلابة المشهد البصري لهوية العراق وتاريخه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة