الدكتورة الحقوقية ليلى الدليمي
يعيش العراق حالة سياسية معقدة فرضتها تراكمات تاريخية ونظم حكم متعاقبة لم تتمكن من ترسيخ استقرار مستدام. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على التحول نحو الديمقراطية، ما يزال المشهد السياسي يعاني من أزمات بنيوية تجعل من النظام القائم عاجزًا عن تحقيق نقلة نوعية تخرجه من دوامة التحديات المتكررة.
إن بلورة أنموذج سياسي جديد لا تعني مجرد تعديل في آليات الحكم، بل تستوجب إعادة النظر في فلسفة إدارة الدولة ذاتها. إذ أن التجربة السياسية الراهنة، القائمة على التوازنات الهشة بين المكونات، أفرزت نظامًا غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، فضلًا عن ترسيخها لمنطق الترضيات بدلًا من اعتماد معايير الحكم الفاعل.
الحديث عن إصلاحات سياسية لم يعد كافيًا ما لم يقترن بإعادة تعريف طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع. فغياب التمثيل الحقيقي للكفاءات، واستمرار سيطرة النخب التقليدية على المشهد، جعلا أي محاولة للتغيير تصطدم بجدار من المصالح الراسخة. لذا، فإن أي أنموذج سياسي جديد يجب أن يكون مبنيًا على إعادة هيكلة العقد الاجتماعي، بحيث يعكس توازنًا بين الإرادة الشعبية ومتطلبات الإدارة الرشيدة.
ولعل أكبر التحديات التي تواجه العراق في هذا المسار تتمثل في قدرة القوى الفاعلة على تجاوز معادلات الماضي والتخلي عن ذهنية تقاسم النفوذ. فالدولة التي تتسع للجميع لا يمكن أن تُدار بذات الأدوات التي أثبتت فشلها. إن بناء أنموذج سياسي جديد لا يعني فقط إصلاح المؤسسات، بل إعادة صياغة المفاهيم الحاكمة للعلاقة بين الدولة والمواطن، وبين السلطة والمسؤولية. فهل يمتلك العراق القدرة على إنجاز هذا التحول، أم أن إرث الماضي سيظل قيدًا يمنع أي انطلاقة نحو مستقبل مختلف؟