منذ بروز فنون الخداع والتأليف والتوليف واستعمال التقنيات التكنولوجية الحديثة عن طريق المنتجة والدبلجة لحرف مسار الأحداث وتشويه الصورة الواقعية لأغراض سياسية بحتة، قررتُ ومنذ أكثر من عامين عدم مشاهدة قناة الجزيرة وقناة العربية الفضائيتين. فقدتْ تلك القناتين مصداقيتهما بنظر شخص متابع ومشتغل بالصحافة ومختص بالإعلام أكاديميا.
تزوير الحقائق هي من أكبر الجرائم التي يمكن للإعلام ارتكابها؛ وهي تُعد من الجرائم التي يحاسب عليها القانون في الدول المتقدمة. لكن، وبما أن شعوبنا ودولنا وحكوماتنا ترزح تحت لذة فقدان القوانين الوضعية والدينية والأخلاقية، فليس هناك من رادع قانوني يحد من الكذب والتأليف والتزوير للحقائق التي تحدث على أرض الواقع. قناة الجزيرة وقناة العربية تكذبان وغيرها من القنوات المسيسة البائسة الأداء والتي لا تمتلك المستوى التكنولوجي المتطور والطاقم المؤهل لتزوير الحقائق وقلب الوقائع لحرف وجهة نظر المشاهدين بطريقة عالية من الاحتراف المهني، مثل هذه القنوات لا تستحق حتى تسميتها أو الإشارة لها. لكن الاهتمام الأكبر يتعلق بالقنوات المحترفة التي تستعمل جميع أنواع الغش والخداع والأكاذيب المجانية الفاقعة لنقل الأخبار المغشوشة والمزيفة لأغراض سياسية خبيثة وشديدة العداء للجهات المعنية بهذا التشويش.
تحول الإعلام إلى أداة حرب في العصر الراهن، وبدأت تتلاشى تلك السمات الأخلاقية الملتزمة بنقل الحقائق كما هي على الأرض للمشاهدين، نستثني بعض القنوات الجادة التي تخضع أطقمها كافة تحت هذا المعيار الأخلاقي بالحفاظ على مصداقيتها ونيل احترام جمهور المشاهدين عندما تظهر لهم الحقائق كما هي، وقيل «حبل الكذب قصير» لكن قنوات الدجل تلك كالجزيرة والعربية ومن جر جرهما من القنوات الأكثر بؤسا مازالت تعتمد المبدأ «الغوبلزي» الذي يقول: أكذب أكذب أكذب حتى يصدقك الناس.
لكل هذا التحريف والتزوير الإعلامي ثمن باهظ يدفعه المشاهد من دون وعي؛ ثمن ربما يرقى إلى مستوى إراقة الدماء بالمجان نتيجة تأجيج النعرات الطائفية والأثنية والمذهبية وصب الزيت على نيران التطاحن بين أبناء الوطن الواحد كما يجري الآن بالعراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها من مناطق التوتر والصراع في أرجاء الكرة الأرضية. أما الثمن الذي تقبضه تلك القنوات المأجورة فهو بملايين، بل بمليارات الدولارات وليذهب القتلى والشهداء الأبرياء من الأطفال والرجال والنساء والشيوخ إلى الجحيم.
نقف اليوم كمتابعين ومشتغلين بالصحافة على مشارف أزمة أخلاقية خطيرة نتيجة العبث اللاأخلاقي من قبل إعلاميين محترفين الذين باعوا خبراتهم وعلمهم للشيطان وشراء ذممهم من قبل عقول وأموال الضلالة والظلام. يقف التاريخ لهم بالمرصاد، ويفضحهم ويجللهم بالعار، فليس هنالك من عار أكبر من خداعالجماهير والتلاعب بمصائرها بهذا المستوى من الرعب والإجرام.. ربما؟
علي عبد العال