علي حسن الفواز
أجد من الضرورة الحديث عن استعادة أسماء ثقافية معينة، تلك التي مثلت في حياتنا الثقافية والعلمية علامات مهمة وفاعلة ومؤسسة، وجسدت عبر حضورها فاعلية ثقافية ومعرفية مهمة في إبداعها وفي جديتها، وفي حرصها على إعادة قراءة الكثير من ملفات المسكوت عنه في تاريخنا و التعاطي مع الكثير من إشكالاته، فضلاً عما أثارته من أسئلة تستقرئ وتكشف وتفضح ماهو غامر ومضلل في هذا التاريخ المفتوح للأزمات والصراعات.
ومن أبرز هذه الأسماء العالم الدكتور جواد علي الذي حضر باشتغالاته الحفرية في التاريخ باحثاً علمياً، استغور الكثير من سطوح الأوهام التي ضللت الوعي في المعرفة وفي الاستدلال على حمولات النص والفكر والسلطة والأثر والمقدس، وربما كان أكثر توغلاً في كشف الأنساق المضمرة في تاريخنا العربي والإسلامي..
هذه التوجهات العلمية في قراءة التاريخ التي سعى إليها جواد علي، وحرصه على بيان الكثير من التباسات التدوين في العقائد والتاريخ ومشكلات تحقيق نصوصه وارخنة أحداثه لم ترض الكثير من القيمين على بعض المؤسسات البحثية والأكاديمية، مثلما لم تنسجم وتوجهات السلطة السياسية التي أرادت وضع التاريخ بكل صراعاته وأحداثه ووثائقه تحت اليد، والتوجه إلى إعادة كتابته بمعية البعض من موظفي وباحثي الدرس التاريخي، وعلى وفق تصورات وأفكار هي أقرب للأيديولوجيا وأبعد عن الموضوعية، والتي أنتجت لنا خلال سنوات الثمانينيات العاصفة الكثير من الكتب والمجلدات والدوريات التي تتناول التاريخ العربي الإسلامي على وفق قراءات ذات توجهات وأفكار معينة..
وطبعاً كان الذهاب عبر هذا التوجه والإصرار على إعادة كتابة التاريخ وتدوين أحداثه، يعني عزل كل العلماء والباحثين والمفكرين الذين لايرتضون بهذا التوجه غير الموضوعي وغير العلمي أولاً، ورفضهم التشوهات التي سعت إلى تزوير أحداث التاريخ والتغافل عن وقائع معينة، فضلا عن إخضاعها إلى قراءات طاردة.
العالم الجليل جواد علي كان من أبرز الذين تم عزلهم عند هذا التوجه، وإقصاء دورهم خارج المؤسسات البحثية والأكاديمية، وتركه يموت وحيداً في عزلة خانقة.. فكيف لنا أن نستعيد هذا العالم الجليل؟ وكيف للجهات الرسمية والأكاديمية والمدنية أن تضع منجزات جواد علي في سياق احتفائها برموزنا الثقافية والتعريف بها للأجيال الجديدة؟
هذه الأسئلة نطرحها أمام الجميع، ليس للاحتفاء به؛ لأن الاحتفاء لايكفي، بقدر ما أن تضع هذه الجهات جهدها الواسع للدعوة إلى مؤتمر علمي باسم الدكتور جواد علي ودعوة الجهات المختصة في الجامعات العراقية والمجمع العلمي العراقي والمؤسسات البحثية العربية والعالمية…
إن وعي مشكلة التاريخ ومحنته هو أكثر أزماتنا تعقيداً ورعباً، وإثارة لتجاوز ماتركته أوهام الكتابة عالقة مثل جرح نرجسي في الذاكرة والوعي والذات الوطنية..