عايدة سلّوم.. لوحاتٌ كمسوّدات واسعة

في السلسلة الوثائقية «ألفباء جيل دولوز»، يقول الفيلسوف الفرنسي، أمام مُحادثته كلير بارنيه، إن بعض الرسّامين، مثل فان غوخ، لم يتجرّؤوا على مقاربة اللّون إلّا بعد سنواتٍ طويلة من العمل على بورتريهاتٍ ومواضيع قد تبدو هامشية، مرسومةً بألوان قد تبدو هامشية، لكنّ هذه السنوات كانت تشكّل بالنسبة إليهم ممارسةً من شأنها أن تؤهّلهم لولوج عالَم اللون في معناه الأكثر عُمقاً.
ثمّة شيءٌ من فكرة دولوز في تجربة التشكيلية اللبنانية عايدة سلّوم (1954)، التي عُرفت، خلال عقودٍ من الاشتغال الفنّي، بأعمال تصويرية في الأغلب ــ مناظر طبيعية، بورتريهات، إلخ، أظهرت فيها حساسيةً عالية في استخدام اللون وفي تصوير، بل بناء، عالَم غنائي تشيّده على هامش الواقع اللبناني البائس والمفتقِد لكلّ غنائية. ورغم أن بعض أعمالها السابقة تشكّلت من ضربات من اللون، وبدت متخلّيةً عن أيّ تمثيل أو واقعيّة، إلّا أنّنا لم نعرف الفنانة كتشكيليةِ لون، أو كرسّامة تميل تماماً إلى التجريد، إلّا في أعمالها الأخيرة.
هذه الأعمال باتت معروضةً اليوم في «غاليري جانين ربيز» ببيروت، في معرضٍ لعايدة سلّوم يحمل عنوان «وشوشات»، افتُتح يوم الأربعاء الماضي ويستمرّ حتى الثامن عشر من آذار/ مارس المقبل.
في تقديمها لأعمالها، لا تخفي الفنانة اللبنانية أن لوحاتها تعبّر عن شيءٍ ما: ليس ما تفعله تجريداً أوتوماتيكياً، أو استجابةً لا واعية، بل ملاحقةً باللون، بعمَل الضوء والتكوين، لمشاعر تسعى عايدة سلّوم إلى الكشف عنها، لنفسها أوّلاً، وربما أيضاً لمُشاهدي لوحاتها. تكتب الفنانة في تقديمٍ لإحدى لوحاتها: «أُنصِتُ إلى صوت الذات، كما لو كنتُ مرآةً، كما لو كنتُ امرأةً أخرى هي التي تنصتُ إلى صوت ذاتها العميق. تبدأ هي بضربة فرشاة تنتهي إليها، وفيها. نقطةً تلو نقطة، وضربةً إثر ضربة، ترتفع حياة الحواس، ويتكوّن ما يرمّم ذلك الانكسار الدفين».
عبارة البحث قد تبدو الأكثر قدرةً على قول هذا المسعى الذي تتّخذه عايدة سلّوم في أعمالها المعروضة، حيث تحاول ضربات الفرشاة ــ متناهية الصغر أحياناً، والتي تقطعها في الغالب خطوط لونية أُحادية ــ إيجاد شكلٍ لم يصلْ بعدُ إلى عتبة اللغة والجملة ــ والشكل. اللوحة، بهذا المعنى، مسوّدةٌ لونية واسعة، واستكشاف في تكويناتٍ جديدة لغنائيةٍ كانت سابقاً تأتي مضمّنةً في أشكال خارجية. اللوحات المعروضة تُحاول، بمعنىً ما، البحث عن أثر الخارج ــ من مشاهد وأشياء وأفعال ــ في الداخل، أي في انعكاسه الذاتي أو الروحي، الذي يجيء خافتاً كالوشوشات.

  • عن العربي الجديد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة