الثقافة الشعبية

عمدتِ الثقافة الشعبية – أي ثقافة عموم الناس – الى توظيف المئات من الآيات القرآنية ومن فصيح اللغة العربية شعراً او امثالاً واقوالاً في خطابها اليومي ، وذلك بصياغة الموروث صياغة ( عامية) تتوافق مع لهجتهم ، ومن هنا على سبيل المثال ، قالت العرب ( صعّر خده للناس) أي تعامل معهم بتكبر ، فيما قالت الثقافة الشعبية ( شايل خشمه للثريا .. او للسما ) !!
وعملية التوظيف او ترجمة المعنى من ( الفصيح الى العامي) ليست حالة عراقية فهي قاسم مشترك بين البلدان العربية خصوماً ، وبلدان العالم عموماً ، وبالطبع لايمكن ، بل يستحيل التعرف على من قام بالترجمة ، ولكن المرجح ان العملية تولاها عن غير قصد أناس يتمتعون بالذكاء والروح الابداعي فاطلقوا تلك المعاني في لحظة فرح او حزن او انفعال او قضية تستفز العقل او العاطفة !!
يمكن ان نتابع بحدود مايسمح به مجال النشر ، بعض تلك التحويرات ، فنحن نصف الانسان الذي نرعاه ثم يغدر او يتجنى علينا بانه ( يقطع سبيل المعروف ) ، وقد جاء هذا المعنى في القول المشهور ( إتق شر من احسنت اليه ) ، وكان هذا المعنى من بين ما اورده زهير بن ابي سلمى – على ما اعتقد – في قوله ( ومَنْ يصنعِ المعروفَ في غير أهله …يكنْ حمدُه ذماً عليه ويندمِ ) …الثقافة الشعبية صاغت هذا المعنى على النحو التالي ( زين لاتسوي – شين مايجيك ) ، ومفردة الشين يراد بها السوء !! ثم دعونا نتابع كيف وظفت الناس او ثقافتهم الشعبية مفردة ( أف) – إسم فعل مضارع بمعنى يتضجر – التي وردت في اكثر من مكان في مقدمتها القرآن الكريم بصيغة من ارقى الصياغات البلاغية التي تتوافق مع مناسبة ايرادها لتعليم الابناء كيفية التعامل مع الوالدين ( ولاتقل لهما أفٍ) ، اي منع الابناء حتى من اطلاق كلمة واحدة تزعج الوالدين ، وقد جاء المنع صريحاً باستعمال ( لا الناهية – ولاتقل) ، وقد إستعملتها الناس للتضجر كذلك ترجمة عن معناها الفصيح ، وان كانت طريقة نطقها تتم بأسلوب عامي !!
من الاقوال الجميلة في هذا المجال ( بلغ السيل الزبى) ، والزبى كما يفيد القاموس ( الرابية التي لايعلوها الماء) كما يفيد القاموس بأن هذا القول يستعمل ( إذا اشتد الامر وانتهى الى غاية بعيدة) ، ويمكن ملاحظة التحوير الظريف لهذا المعنى في ثقافتنا الشعبية ، فحين يشتد الامر او الخلاف بين رجل وزوجه او بين صديقين او اي اثنين ، ويصل الى مرحلة يصعب احتمالها تسمع العبارة التالية ( كافي ..تره وصلت حدها !!) أي ان القضية بلغت آخر حدودها وأعلى درجات الاحتمال ، ولهذا باتتِ اليوم نسبة 31% من العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر ، ترددُ بصوت عالٍ : تره وصلتْ حدها !!

حسن العاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة