قراءة جولة وسياحة في قصيدة نصف قرن لـ “فريدون سامان”

طه الزرباطي

  في لحظة من لحظات النزق الثوري لدى الشاعر ، يجعل فريدون سامان نصف قرن من عمره محاورا ، وهو يعاتب بغضب ثوري ، وبنزق شعري ، وبنغمة حزن نصف قرن من العمر ، مبكرا كان الشاعر خارج الرتم المعهود ، مبكرا كبر الشاعر ليختار طريقه ــ الثورة ــ وهو ولد في الاصل من أمة صارعت المستحيل لتحافظ على كينونتها ، على لغتها ، على فولكلورها ، على الحدود الدنيا من وجودها الثقافي …ربما اراد ان يوصل القارئ الى فكرة مفادها أن ولادةً بهذا الشكل ، من أمة تحارب امم وجودها ،وتحاول مسخها والغاء وجودها، وكلما زادت وحشية العدو ولدت الرغبة والاصرار على الوجود.

  في هذا الدرب الطويل الذي حاول ان يظهر نصف قرنٍ من مشاهداته هو ،فهو يتحدث بشكل ذاتي في النص ؛ لكن القارئ اللبيب سيكتشف ان هذه الذاتية ذائبة في الذات الكلي ، او في الوجود ، او لتكون جنديا في وقت مبر في معركة الخلاص مهما كان طويلا ، فالجندي هو (بيشمركا ) اي الفدائي الذي اما ان ينتصر او لا يعود.

  نصف قرن من تأجيل الاحلام بين الزنازين ، والمراقبات ، والمطاردات ، والغربة المبكرة للدروب ، وفي وقت مبكر يصبح الهم الوجودي ، كالهم الثقافي الجمعي ، شيئا اكثر قدسية؛او ضرورة من احلام شبابك ، سيما حين تكون شاعرا ..لم لا تكون كسائر خلق الارض تحلم ، تعشق ، تخطط لمستقبلك ، تعيش اللحظات ولا شيء يجعلك ان تطفر مراحلك التاريخية  لتكون فارسا (بيشمركه) وتجعل الموت الشرط الاول لتحقيق حلم صعب ، حلم امة تصرُّ على كينونتها.

  القصيدة الفلسطينية ،والقصيدة الكوردية تولد خارج الاطر الطبيعية لولادة شاعر ؛او قصيدة تمر بمراحل طبيعية وفقا للتنقلات العمرية ،لذلك حتى غزلك ملطخ بالدم ، ممنوع ، وصلب وصخري ، لأنه معجون بالآه.

  لذلك معظم ما قرأت للشعراء الكورد الذين حملوا الحلم ،تلمست الطريق الوعر الذي اخطه الشاعر ، وفي تجربة الشاعر فريدون سامان حتى حين استطاع الدم الكوردي ان يحقق جانبا من الحلم ؛حلم ان تمارس لغتك ، وتعيش فولكلورك دون أن تهجر ،او يُحاول تماهي هويتك بشكل قسري ، حتى في هذه الفسحة من الامل ، مازال فريدون الشاعر ، (يرجم) ويقاتل في جبهة أخرى جبهة الداخل ، حين تسرق ثورته ،ويعود مرة أخرى لمعركة صناعة امل انسان صمد ،وصنع ،وتحدى ؛لكن الآخر هو من سرق النشوة منه.

  غالبا تميز شعر فريدون سامان بقدرة على تشكيل الصورة الشعرية المبتكرة ، واعتقد ان اللغة الكوردية استطاعت ان تحافظ على شخصيتها ، وتقاوم كل اسباب الذوبان ؛على الرغم من وجود اللهجات التي تحتاج الكثير من العمل لتتوحد في لغة فصيحة تكون هي الأم ،وهذا طريق طويل وصعب …لكن تركيبة اللغة الكوردية تعطي فسحة للشاعر ليكون صورة ،او صورا شعرية مستثمرا خصوبة هذه اللغة التي جمعت الجبل ،والورد ،واللون ، والخير معا.

                     نصف قرن

ترجمة: محمد حسين المهندس

ناكدتُ المُحالَ نصف قرن،

أمضيت نصف قرن من عمر البؤس،

وامتقع حلم طفولتي من المهد..

كان شبابي دماً مسفوحاً 

لنعجة منحورة

على عتبة مذبح العادات والخرافة…

هجرت نصف قرن في الحسرة والزنازين،

وملاحم التشرد

نصف قرن؛

وأنا في حال جذب كالدراويش

وسط حلقات ذكر العاشقين

واجتزت حقول سياسة الدجالين الملغومة

والآن

تنكبتُ جثث أحلامي؛

أمضي صوب إحدى المتاهات،

و قبيلة المرائين يرجمونني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة