شكر حاجم و ” مصابيح الظلام”

سلام مكي

كعادته، ينفرد الشاعر الحلي ” شكر حاجم” بالتأسيس لنمط كتابي خاص به، يتجاوز به، حدود المناهج والآليات التي تؤطر الكتابة الأدبية والثقافية، ليفتح بابا واسعا يدخل من خلاله إلى عالم مليء بالانطباعات الجمالية والانسانية التي تقرأ النصوص الأدبية من زوايا مغايرة للمألوف، لتنطلق منها إلى مديات أوسع وأعمق من ما هو سائد وقار. شكر حاجم، انفرد عن أقرانه بالكتابة عن تجاربه مع الشعراء الآخرين، من زاوية انسانية وجمالية محضة، بعيدة عن أي التزام بمنهج أو عقيدة ما. شكر ينتمي إلى الشعر والشاعر في أن واحد، فهو يملك حظا طيبا مع من يحبهم، إذ يجد أن الشاعر الذي يحب، غالبا ما ينتج نصوصا يحبها شكر، ويجد فيها ضالته المنشودة. ولحسن حظ شكر، أنه امتلك صديقا مثل الشاعر حميد سعيد، ليستذكر مواقفه الطيبة وجهوده في إثراء المشهد الثقافي البابلي خاصة. واليوم، يقرأ نصوصا لـ سعيد تشبع الحاجة الروحية لشكر وتقول ما بداخله، عن ما يمر به البلد من أزمات ومحن، شكّلت هاجسا لكل انسان عراقي، وللشاعر خاصة، فصنعت منه كائنا يكتب أوجاعه التي هي أوجاع الجميع. شكر أنجز مؤخرا كتاب ” مصابيح الظلام” عن دار الفرات في الحلة، ليكرس نسقا ثقافيا جديدا وهو الاحتفاء بالشعر والشعراء الذين قرأ لهم وعمل معهم، في وصلة وفاء نادرة. ومن يعرف شكر عن قرب، يدرك جيدا أنه عندما يكتب عن نص أو عن شاعر، فهو نوع من الامتنان والعرفان بالجميل، واشباع حاجة في نفسه.

في مقدمة الكتاب يؤكد حاجم على أن ما تضمنه الكتاب لا يخضع الى منهج نقدي محدد. وهو في الحقيقة، يخضعه لمنهج انساني وفكري، سعى شكر حاجم إلى تأصيله. و مصابيح الظلام ليس أول منجز له، يتحدث فيه عن انطباعاته ورؤاه في ما قرأ، فقد كتاب عن ناجح المعموري كتابين، تناول فيهما تجربة المعموري الفكرية والثقافية، كونه أحد المقربين من المعموري، وتلك القرابة التي تواشجت يوما بعد يوم، لتصل إلى ما هي عليه الآن.

مصابيح الظلام الذي تألف من205 صفحة من القطع المتوسط، تناول تجارب شعرية مختلفة، ولأجيال متعددة، كانت الانسانية والحس الانساني الذي وجده شكر فيها، جعل من تلك النصوص، بابا للدخول إلى عوالم لا مرئية، تقف فيها الأحلام والأمنيات في طوابير طويلة، تنتظر دورها لتعبر إلى الضفة الأخرى، حملة بالقلوب والحناجر والأقلام.. وشكر، لا يجرد النص من كتابه ولا الكاتب من نصه، فهو يريد أن يجمع بين الاثنين في سطر واحد. وفي نفس الوقت، لا يأخذ من الشاعر سوى موقفه الانساني، ويجرده من موقفه الايديولوجي والعقائدي، فهو يؤمن بحرية الشاعر في اعتناق ما يريد، إلا أنه يصر على تبني الموقف الانساني في الشاعر. ويبحث في نص الشاعر عن أي ضوء ينير له طريق الانسانية ويطفئ ظمأ روحه التي أهلبتها حرارة الحياة وقساوة الزمن، وخراب الوطن الذي أثر فيه كثيرا.. إن ” مصابيح الظلام” ليست مصابيح شكر وحده، بل هي مصابيح للجميع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة