تخوض الرواية الفلسطينية حربًا طويلة الأمد، لا تقتصر فقط على مجرد سرد ما حدث ويحدث في فلسطين منذ وقوع النكبة عام 1948 وحتى هذه اللحظة، وإنما تذهب نحو تقديم سردياتٍ تاريخية مضادة لتلك التي تروجها المؤسسات الرسمية الصهيونية، وتحمل على عاتقها صون ذاكرةٍ يُراد لها أن تُمحى، حيث تسعى هذه الروايات إلى ربط الحدث بسياقه وتاريخه، والتصدي للخرافات التي يلفقها الصهاينة. إنها أعمالٌ ضد النسيان الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه بهدف محو تاريخه الحافل بالعنف والدماء، وخط دفاعٍ متقدم عن الذاكرة الجمعية الفلسطينية وسرديتها التاريخية.
نتوقف في هذه المقالة عند ست رواياتٍ تدور أحداثها في مدينة القدس، عاصمة فلسطين، وتحاول الوقوف على التحولات المختلفة التي طرأت عليها خلال أكثر من سبعة عقودٍ من الزمن.
1.صورة وأيقونة وعهد قديم
تحاول الروائية الفلسطينية سحر خليفة في روايتها ” صورة وأيقونة وعهد قديم” (دار الآداب، 2002)، الإحاطة بتاريخ مدينة القدس، وطبيعة الحياة فيها، وأنماط عيش وسلوك سكانها، من خلال قصة حبٍ منحتها بُعدًا مختلفًا حينما وقع اختيارها على شابين من ديانتين مختلفتين ليكونا بطليها. وعبر هذه العلاقة وما تنطوي عليه من إشكالياتٍ ومتاعب لكلا الطرفين، تعاين خليفة أحوال المدينة ضمن أمدٍ زمنيٍ يمتد من حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وصولًا إلى بدايات الانتفاضة الأولى نهاية ثمانينيات القرن الفائت، حيث ترصد التحولات المختلفة التي طرأت عليها بين هذين الزمنين، تلك التي يختزلها بطل الرواية بقوله لحظة عودته إليها: “وصارت القدس هي غير القدس”.
2. برج اللقلق
تقدِّم ” ديمة السمان في روايتها ” برج القلق” ( مكتبة كل شيء، 2016). عملًا روائيًا تشترك الذكريات الشخصية المتعلقة بالمكان وسكانه، في بناء حكايته التي تروي بدورها حكاية سكان القدس، وتقف على مختلف تحولات المدينة، منذ أواخر العهد العثماني وحتى نهاية القرن العشرين. وتستند الروائية الفلسطينية في محاولتها التأريخ لأحوال المدينة، إلى قصة عائلة “آل عبد الجبار”، وما صادفته من مصائب بدأت إبان المجاعة التي شهدتها فلسطين خلال العقد الثاني من القرن العشرين، وتضاعفت بعد الاحتلال البريطاني والهجرة الصهيونية، وصولًا إلى النكبة التي فرضت على المدينة واقعًا جديدًا، سرعان ما تبدل بعد النكسة لصالح واقعٍ بائسٍ رزحت العائلة المقدسية تحت وطأته طويلًا.
3. المسكوبية
اتخذ اسامة العيسة من مدينة القدس فضاءً لروايته ” المسكوبية” مركز أوغاريت الثقافي ،2010). التي تدور أحداثها داخل سجن المسكوبية الشهير في المدينة، حيث يوثق الكاتب الفلسطيني، شفويًا، الممارسات الوحشية لدولة الاحتلال الصهيوني بحق الأسرى الفلسطينيين. ويحاول، في الوقت نفسه، الإحاطة بتفاصيل مختلفة تتعلق بالمدينة وأحوالها، إذ يأتي في سياق سرده للحكاية، على ذكر معلوماتٍ تخص حوادث تاريخية شهيرة جرت فيها، مثل تدمير حارة الشرف وباب المغاربة ومسجد البراق، واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى عام 1982، وإطلاق الجندي الصهيوني هاري غولدمان النار على المصلين في باحة المسجد في نيسان/ أبريل من العام نفسه، إلى جانب استعراضه ملامح المدينة بعد نكسة عام 1967.
4. القدس: ظل آخر للمدينة
يتكئ محمود شقير في روايته ” القدس: طل آخر للمدينة” دار القدس ،1998
على ذاكرته وما تحمله من مشاهد وصور بعيدة من جهة، وحياته اليومية وعالمه اليومي الملموس من جهةٍ أخرى، لبناء حكايته التي حملت على عاتقها التأريخ للمدينة وأحوالها والتبدلات المختلفة التي خبرتها، سياسيًا واجتماعيًا وعمرانيًا، خلال نصف قرن من الزمن. ويسعى الروائي الفلسطيني من خلال سرده لتجربة نفيه من القدس في منتصف سبعينيات القرن الفائت، وعودته إليها مطلع التسعينيات، بعد نحو 18 عامًا في المنفى، إلى معاينة ما تغيَّر في المدينة بين هذين التاريخين، وذلك في رحلة بحثٍ طويلة، بل ومريرة أيضًا، عن صورة المكان التي تحتفظ بها ذاكرته.
5. كافر سبت
تبحث رواية عارف الحسيني ” كافر سبت”
(دار الشروق، 2012)، في تحولات مدينة القدس منذ ثمانينيات القرن الفائت وحتى بداية الألفية الثالثة، إذ تدور أحداثها في زمن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وما ترتب عليها من انعكاساتٍ على طبيعة الحياة وأنماط العيش في المدينة، تلك التي تغيّرت بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، حيث أخذت حياة الإنسان الفلسطيني خلال هذه المرحلة منحىً مختلفًا، تبدل فيه السعي خلف الثورة والمقاومة، لصالح محاولات التأقلم مع السلام الهش، وتأمين لقمة العيش، في مكانٍ طغت عليه ظاهرة القروض البنكية، واستحوذت على اقتصاده مجموعة صغيرة من الرأسماليين، في ظل المحاولات المستمرة لبناء الدولة المنشودة.
6. ضحى
يتناول حسن ياسين في روايته ” ضحى”
(المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2012)، مدينة القدس من منظور ثلاث نساء مقدسيات خبرن العيش في المدينة، وكن شاهداتٍ على ما آلت إليه أحوالها منذ نكبة عام 1948، ونكسة 1967، وصولًا إلى الانتفاضتين الأولى التي تبعتها انتفاضة ثانية عرف الفلسطينيون بينهن اتفاق أوسلو وما ترتب عليه. ويسعى الكاتب الفلسطيني عبر قصص هؤلاء النساء، إلى الوقوف على عمليات طمس بعض ملامح المدينة وتهويد أخرى غيرها، وكيفية تعاطي سكانها مع هذه الممارسات الاستعمارية. تقول إحدى شخصيات الرواية: “معالم القدس تغيَّرت أو غُيِّرت بالقوة، فالكولونيالية تقوم على تغيير صك الملكية من الساكن الأصلي إلى الجديد، ثم تغير تاريخه.
*عن ألترا صوت