الأحلام مؤجلة غير قابلة للتحقق

نورا تحلم

من حق أي انسان ان يحلم، لكن تحقيق حلمه مرهون ببيئته وما يحيط به من ظروف، فكيف اذا كانت هذه البيئة شرقية تسودها العادات والتقاليد القامعة،  وكيف اذا كان من يحلم هي امرأة ، هل يحق لها ان تحلم ، في مجتمع ذكوري صارم، هذا ما يناقشه فلم نورا تحلم المأخوذ عن قصة حقيقية، للمخرجة هند بو جمعة، بطولة هند صبري، لطفي العبدلي ، حكيم بومسعودي، جمال ساسي.

العنوان

نورا تحلم، هو سؤال اكثر منه عنوانا لفلم، يشبه الى حد ما الجملة التهكمية ” انت بتحلم” التي تقال لمن بعض من يريد تحقيق طموح في عمل ما، ما الذي يمكن ان تحلم به فتاة شرقية، ظلمت في كل شيء، واذا كان لها ان تحلم فهي أحلام بسيطة ببساطة الحياة التي تعيش .

الحكاية

نورا فتاة شابة متزوجة وتعيل ثلاث أطفال، قدرها السيء قادها للزواج بمجرم وفاسد، دائم الدخول الى السجن، بسبب سرقاته المتعددة، خلال فترة سجنه الأخيرة والتي ينتظر انقضاء عقوبته ليخرج من سجنه، ترتبط نورا بعلاقة عاطفية مع شاب يمتلك ورشة لتصليح السيارات، وتأمل بالحصول على الطلاق من زوجها لتكمل حياتها مع حبيبها، الذي يساعدها دائما في إعالة اطفالها كون المرتب الذي تتقاضه عن العمل في أحد الفنادق كعاملة غسيل لشراشف ومنامات الفندق لا يكفي لسد نفقاتها،

أحدى العاملات التي تعمل معها تسرق بعض الشراشف والمنامات ولا تستطيع نورا ايقافها رغم التحقيقات التي تجريها إدارة الفندق معها، كونها أقرضتها بعض المال وتطالبها به دائما.

يخرج الزوج من السجن ليعود لسابق نشاطه الاجرامي مع عصابة يتواطأ معها مسؤول أمني كبير في الشرطة المحلية.

بوشاية من الفتاة التي تسرق الشراشف يعرف زوجها بالعلاقة التي تربطها بالشاب الميكانيك، ، فيقمعها بطريقة وحشية أمام اطفالها الثالث، متلفظا بأبشع الألفاظ من ثم يذهب مع افراد عصابته ليعتدوا على الشاب في ورشته ويقوم باغتصابه جنسيا، الأمر الذي سبب  صدمة نفسية كبيرة لهذا الشاب، الذي يرفع دعوى على الزوج متهما إياه بسرقة بعض المواد من ورشته والاعتداء عليه بالضرب ، لكن المسؤول الأمني الفاسد يتوسط للزوج ويعده بان تكون العقوبة بسيطة هذه المرة.

يعود الزوج الى السجن، وتحصل نوار على الطلاق لكن هل ستعود علاقتها الى سابق عهدها مع الحبيب الذي أنكسر نفسيا بسبب الاعتداء الجنسي عليه، تحطمت طموحات نورا التي كانت طيلة حياتها تحلم أحلاما صعبة التحقيق.

تأويل النص المرئي

يطرح فلم هند بوجمعة العديد من القضايا الشائكة التي تسود المجتمعات الشرقية، فلكل عذره فيما يفعل، نورا من حقها ان تحب مادام زوجها لص قابع في السجن لا يمكنه ان يكون حرا ونزيها ذات يوم ويتخلى عن اجرامه .

الفناة التي تسرق الشراشف والمنامات، تسرقها بسبب قلة المرتب الذي تتقاضاه مقارنة بالعمل الصعب والمتعب، أطفال نورا الثلاث والذين يشكلون احد العوائق التي تقف في طريق تحقيق احلامها، يثير تساؤلا ، لماذا يصر معظم الفقراء في المجتمعات الشرقية على انجاب هذا العدد من الأطفال مع بؤس الحال الذي يعيشون؟ كيف سيكون مستقبل هؤلاء الأطفال مع أب مجرم وأم تحلم، البنت الكبرى في سن المراهقة وفي مشهد ذو دلالة الى ما سيؤول اليه حالها، تجلس البنت على قارعة الطريق وتضع الميك أب، وتلتقي بصبي بعمرها يقبلها وتمضي معه، الابن سيذهب بالتأكيد الى شلل العصابات التي تلتقط من هو بمثل حاله.

الفلم أراد ان يوصل فكرة ان لا أحلام للفتيات الفقيرات في مجتمعات ذكورية قاسية، تنظر الى المرأة كفرد يجب ان تخضع للواقع المجتمع الذي تعيش مطيعة لرغبات الرجل.

كذلك يكشف الفلم واقع دوائر الامن والشرطة ، فهي دوائر قمع وفساد ووسيلة رعب للمواطن سواء كان بريئا او مذنبا، دوائر مخترقة يملاها الفساد ، وهو واقع حال كل دوائر الامن في بلاد الشرق العجيب.

الأداء

ليس غريبا على ممثلة بوزن هند صبري ان تؤدي دورها بشكل متقن ، فخبرة سنسن عمل طوال وفر لها دربة عالية المستوى في التمثيل ، لذلك نجدها في هذا الدور تتعامل بكل وجدانها ومشاعرها لتوصل للمشاهد حجم الحيف والقمع الواقع عليها، احداث لا تحتمل، ذل وتعنيف امام الأطفال، ووسط كل هذا تحلم بان ترتبط بعلاقة عاطفية مع رجل نزيه، تحلم بان تعيش بسلام مع من تحب، متناسية العوائق التي تقف في طريقها .

بقية الممثلين كانت ادوارهم داعمة لهند صبري، لذلك لم يكن شيء ملفت في أدائهم، حتى حكيم بو مسعودي الذي أدى دور الحبيب الذي يتعرض للاغتصاب، لم يكن موفقا في التعبير عن الألم النفسي الذي اعتراه بعد الحادثة.

الاشتغال

بكاميرا سلسلة الحركة، ومشاهد سهلة معبرة رسمت بعناية فائقة تعاملت مخرجة الفلم هند بو جمعة مع حكاية فلمها، لا صعوبة ولا ترميز، بل عرضت كاميرتها الحداث من زاوية الراوي المراقب العارف بكل شيء، الامر الذي وفر للمشاهد سلسلة احداث متصلة لا ملل فيها.

الفلم شارك في العديد من المهرجانات وحازت هند صبري على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان الجونة السينمائي، وحصل كذلك على جائزى التنيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، والجائزة الكبرى في مهرجان بوردو السينمائي الفرنسي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة