محرر الصفحة
واحد من اهم الافلام التي عرضت في مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير هو الفيلم المغربي ” مختار ” للمخرجة حليمة الورديغي ، حيث حصل على الجائزة الثانية للمسابقة الدولية للمهرجان ، وتكمن اهمية هذا الفيلم بتمكن مخرجته من إيصال ماتريد ايصاله من اعتراض على الموروث الشعبي الذي ربما يستند في الكثير من جوانبه على الفهم الغير صحيح للدين بوقت قصير لا يتجاوز ال17 دقيقية هي الوقت الكلي للفيلم ، وهذا ما يميز الفيلم القصير عن غيره من الافلام ، منذ بداية الفيلم تؤكد حليمة الورديغي على براعتها في استخدام عناصر اللغة السينمائية ، ففي المشهد الأستهلالي حيث يرعي الطفل مختارالماعز تحت شجرة كبيرة في منطقة صخرية وعرة ، كان اشبه بلوحة تشكيلة فائقة الجمال ،حيث الماعز قد تسلق هذه الشجرة الى اعلاها ،ثم لتبدأ في استخدام اللغة الدرامية ، بلحظة عثور الطفل مختار على صغير طير” البوم ” يتشاءم منه اهالي هذه الجبال ، ويعتبرونه نذير شؤم لهم ، لكنه الطفل الذي لم يعرف بعد هذا الموروث ، فهو يتعامل مع الاشياء على طبيعتها ، فالصغار كل الصغار لمختلف الكائنات ابرياء قبل ان يعرفوا مايعرفه الكبار ،وبلقطة فائقة الجمال تعرض حليمة الورديغي باحة منزل الطفل ، لترسل للمتلقى رسالة مهمة عن تعامل الرجال مع عوائلهم في هذه الاماكن النائية ، الاب يأكل لوحده وقربه عدد من القطط ، فيما الام تجلس بعيدة عنه ، وربما لاتجروء على الجلوس بجانبه .
وبعفوية الاطفال يدخل مختار حامل صغير طير “البوم” ليقيم الاب الدنيا ولايقعدها فالشر قادم لامحالة، الا بقتل مختار لصغير الطير الذي وجده ، فلا يجوز لاحد غيره ان يقتله ، وحين يرفض يسجن في مكان بأس ويرمى له الطعام من خلال شقوق الباب الخشبي .
وحين ينادي الطفل مختار بأعلى صوته على امه، تبرع مخرجة الفيلم بعرض مشهد متناقض، الاب يؤدي الصلاة غير أبه بصراخ الطفل الذي يوشك على الجنون ، وهو مشهد فيه قصدية عالية يبقى للمشاهد حرية تأويله وتفسيره ، ومع اصرار الطفل على الاعتناء بطائره يزداد عناد الاب في الاستمرار بحبسه ، رغم توسلات الام والجدة ، التي تعلق التعاويذ قبالة المنزل أبعادا للشؤوم والشرعن البيت .
تسوء بعد ذلك حالة الطفل الصحية وتتعالى صيحات اهله عليه لحثه على قتل طائرة، وبمشهد مأساوي يقوم الطفل بأغراق الطائر في دلو الماء وقتله، ليطلق سرحه وليعود لرعي الماعز في ذات المكان الصحراوي الاجرد.
اسئلة كثيرة دارت في ذهني بعد مشاهدة الفيلم، مالذي يمكن لهذا الطفل أن يصبحه مستقبلا ، وما اثر مثل هكذا تجربة في حياته ، وهل سيقدر على القتل مستقبلا ، ولماذا يأتي الكثير من المتشددين من مثل هكذا مناطق ، ولماذ يكونوا بتلك القسوة التي يتعاملون بها مع من يفترضونهم خصوما لهم ، أعتقد ان الفيلم استطاع ان يجيب عن اسئلتي من خلال مابثه من رسائل ودلالات كثيرة ، مرة برمزية فائقة الجمال ومرة بمباشرة مؤثرة ، لكنها لاتريد أستدرار عطف المشاهد بقدر ماتريد أن تقول ان في عالمنا الذي نعيش مازال الموروث الشعبي الذي ربما يستند في الكثير من جوانبه على الفهم غير الصحيح للدين هو مايرسم خطى ابنائنا نحو مستقبل يحث الخطى للخلف ، بينما العالم يسير بسرعة فائقة نحو التطور والتقدم .
أخيرا اعتقد ان الفيلم القصير استطاع ان ينافس وبشكل كبير الفيلم الروائي أو الفيلم التسجيلي، وربما يحسب لصانعيه انهم برعوا بتكثيف السيناريو الادبي في نص مرئي لا يتوفر على الوقت الذي يتوفر عليه الفيلم الروائي أو التسجيلي.