هدى محمد حمزة
تتعرض السينما بين حين وحين آخر لقضايا ساخنة لزمننا المعاصر الذي يتفاوت بين المدنية وبين التقاليد البالية لمجتمع طحنته آلة الجهل والامية والفقر، بين ان تلقي الضوء على احداث شاحبة وبين بقايا زمن مهجور، وقد عانت من احتباس المواضيع وانفلات الاحداث من اجل اجهاض السر المخبوء فيها , ببارود السينما او الشاشة الفضية , لكنها تبقى وثيقة تتعرف عليها الاجيال اللاحقة لمعالجتها بواسطة وسائل التنوير مرة والتثوير مرة أخرى ضد مفاهيم متأخرة اسس عليها الكثير من التردي والانحلال، فقد فتحت السينما الباب عريضا لتطل بالدرجة الاولى على قضايا مجتمعية وسياسية معاصرة وقدمتها بقالب من الاساليب المشوقة للمتابع من خلال الميديا التصويرية الحديثة , ومن خلال الحبكة وما ينسج عليها من اوضاع ولهجات عالية ومتدنية تعكس طبقات المجتمع حيث الحياة البرجوازية الناعمة، والفظة الغليظة للطبقات المسحوقة والكسبة والعمال وصغار الموظفين، ومن تلك الموضوعات الساخنة موضوعة الاغتصاب التي شاعت واصبحت ظاهرة في اغلب المجتمعات وخاصة البيئة العربية التي تنتمي للسلطة الذكورية المتغطرسة , والتي تتعرض لها الفتيات والنساء وحتى الصبيان على السواء بسبب ترهل انماط القوانين تجاهها وعدم تجريمها وضبطها وحماية المجتمع من كوارث محققة تلحق بالأسرة التي تشكل نواة المجتمع .
من هنا يطل علينا مسلسل ( قضية راي عام ) ربما يكون قديما، ولكن الموضوع حاضر بل اصبح متنمرا لمديات اخطر وبخطوات اكبر من المألوف , فهو يعرض قصة امرأة متوسطة السن تعمل استاذة ورئيسة قسم ودكتورة في الجامعة مع صديقات اخريات ايضا احداهن دكتورة والاخرى ممرضة , وفي احد المرات وبسبب حالة طارئة تخرج الدكتورة يسرا ليلا لتعالج طفل بين الموت والحياة وبعد اكمال الحالة , وفي طريق العودة للبيت يتعرضن الى الاختطاف المسلح ومن ثم الاغتصاب من قبل ثلاثة شبان مخمورين , احدهم ابن وزير متغول يخافه الجميع، وتتوالى الاحداث، التي تفرز الفوارق الطبقية القميئة بين الشبان والتي تعكس حقيقة العلاقة القائمة على الاحتقار والاستغلال فيما بينهم .
من خلال الثيمات المتتالية للعرض تبرز فجوة كبيرة بين البطلات وبين اشخاص تربط بينهم صلات القربى كالأخت والزوج والاخ والام والأب، ومحاولة الشروع بالقتل من قبل الاخ لاحداهن من دون معرفة الأسباب، حتى نرى ان قضية الاغتصاب اصبحت حادثة صغيرة مقارنة بما ترتب عليها من انهيارات جليدية موجعة وبروز طريق كالح ابتلع القضية الرئيسة نفسها، واصبحت الضحية هي المدانة والمجرم حر طليق لازدحام المدافعين عنه , وبهذا سلكت النساء الطريق الوعر , طريق النفوس التواقة للحق والعدالة الاجتماعية والنور، وهو هدف يجتمع عليه كل المضحين من اجل الاهداف العظيمة، فمن اجل مهام اكبر واخطر تنبثق شخصيات لا تعرف المهادنة ولا الخذلان، وهذا ما نراه اليوم حيث الاختطافات المتكررة والاغتصاب الذي تتعرض له فتياتنا على عموم المحافظات وبأعداد لا حصر لها بسبب فوضى الحكام وطغيانهم والانفلات الامني وتكريس الفوارق الطبقية التي اصبحت قرينة لحياتنا اليومية نلمسها كل وقت , والمؤسف ان الحوادث لا تسجل في أية جهة امنية ولا يبلغ عنها بل يتم التكتم عليها من قبل الاهالي في اغلب الاحيان خوفا من العار والفضيحة , ويضيع حق الضحايا , وفي احيان كثيرة يتم حرق الضحية لإخفاء جريمة الاغتصاب ومن ثم تسجل قضاء وقدر ليواري التراب كل جزيئيات القضية وتختزل بوفاة اثر حادث , وهذه برأي قضية تهم الرأي العام بجميع الاوساط الثقافية والانسانية الاجتماعية والسياسية , فهل يعد الاغتصاب نوعا مغايرا لواقع لا يستحق الوقوف عنده، ام هو نتاج افرازات تصدرتها الفوضى وايضا الفساد، الذي يحتاج الى اجوبة حقيقية ؟