-1-
اذا أردنا ان نصنف حالات النفس البشرية ونشدد على أهمية الومضات الاخلاقية فيها ، ونحذّر من براثن التردي والسقوط في المستنقعات الآسنة ،فلا شك أنَّالحسد سيكون من أخطر الامراض الاخلاقية المقيتة ، ذلك انه يكشف عن خبث الطوية، والعدوانية الفائقة إزاء الآخرين، لا بل لا يطيق الحسود أنْ ينظر الى مَنْيتفوق عليه بخصيصة معينة او مكانة عظيمة ، او موهبة فريدة، متمنيا زوالها عنه وساعيا لاطفاء ذلك الوهج بكل ثمن .
بينما نجد الخلو من الحسد سمةً تدل على النبل والصفاء وحب الخير للآخرين .
وهكذا يجب ان تكون حالة الانسان الشريف الرافض لكل ألوان الدناءة وفقدان المروءة …
-2-
واذا كان كلُّ ذي نعمةٍ محسوداً فان القران الكريم –وفي سورة الفلق بالذات – يعلمنا كيف نتعوذ من (شرّ حاسدٍ اذا حسد )
وشرور الحاسدين لا تنقطع عن المحسودين، دون ذَنْبٍلهم ازاء الحاسدين، حيث لا يحملهم على الحسد الاّ النزعة الخبيثة بكل ما تحمله من ضعَةٍ ولؤم ..
-3-
ومن حكايا الحسد الشهيرة قصةُ أحدِ الحاسدين الخبثاء للشيخ نصير الدين الطوسي – العالم الكبير صاحب الباع الطويل في الفقه والاصول والفلسفة والفلك ناهيك عن الرياضيات .
وهو الذي أقام المرصد الفلكي في مراغة ت 672 هـ .
لقد استغل هذا الحاسد اللئيم الصلة الوثيقة بين الشيخ الطوسي وبين الحاكم المغولي ( تكودار) الذي أسلم على يديه ، وأشار على الحاكم المغولي أنْ يُدفنَ الشيخ الطوسي مع امّه حين تُوفيتْ مبّرراً ذلك الاقتراح بانّها سوف تنجو من حساب القبر واهوالِهِلانها سوف تسمع ما يجيب به الشيخ الطوسي المدفون بجوارها فتسارع الى الاجابة الصحيحة .
وانطلقت الحيلة على الحاكم المغولي ولكنَّ ذكاء الشيخ الطوسي وفطنته العالية وحنكته المعروفة أبطلت كيد الحاسد ، وردّتْه الى نَحْرِهِ حيث قال الشيخ الطوسي للحاكم المغولي بما معناه .
اذا رأيت ذلك فاستبقني لك .
وهنا أمر الحاكم بدفن الحاسد صاحب الاقتراح المشؤوم مع أمه .
وهكذا دفع الحاسد حياته ثمناً لحسده .
-4-
انّ الحسد امتد في أيامنا الراهنة ليشمل حتى صغار المتقاعدين لانهم يتقاضون رواتب شهرية بينما لا يتقاضى حاسدوهم مثلها ولهذا فهم يحسدونهم .
-5-
أما التحاسد والتباغض بين سياسيْ الصدفة فهما أكبر مِنْ أنْ يحصرا في سطور ..!!
وهكذا يُمنى الدنيويون بآفاتٍ ونزعاتٍ تجعلهم لا يهنأون بعيشهم ولا يذوقون طعم السعادة …!!
حسين الصدر