الاحداث التاريخية التي شهدتها أرض العراق ساهمت إلى حدد كبير في تكوين وصقل الشخصية العراقية ولطالما إشار الباحثون في ميدان علم الاجتماع إلى التماهي بين السلوكيات الاجتماعية للفرد وبين الوقائع التاريخية التي تعايش معها سكان المدن العراقية فالحروب والحصارات والانقلابات والتجاذبات السياسية بين الاحزاب والصراعات الدينية والمذهبية والقومية جميعها وغيرها من العوامل التاريخية هي ادوات تحفيز في بلورة المواقف الشخصية تبعا للانتماءات الفردية والجماعية ومن خلالها دارت الصراعات السياسية والاجتماعية ومن خلالها أيضا وثق المؤرخون الافعال وردود الافعال تجاه المشكلات والقضايا التي عصفت بالمجتمع العراقي وعلى مر التاريخ اتسمت سلوكيات العراقي بالعنف والافراط في تغليب العاطفة والانزياح مع المؤثرات السلطوية وصولا إلى استخدام القوة في صنع التغيير وفي رفض الواقع وباتت هذه السلوكيات ثقافة تعايشت معها اجيال مختلفة من العراقيين ولم يعد غريبا رؤية مشاهد الرفض والاشتباك مع قوى أخرى مخالفة للراي في حقب مختلفة من التاريخ السياسي للعراق وربما توارث العراقيون مشاهد القتل والسحل والحرق من اقوام عراقية تنتمي الى عصور سحيقة تؤيده صفحات التاريخ القديم والصور والتماثيل التي مثلت لنا ماحصل في عصور البابليين والسومريين والاشوريين ومن ثم انتقلت مشاهد العنف الدموية إلى العصور الإسلامية التي تلت ذلك حيث كانت احداث تبدل السلطة وتداولها ممهورة بالدماء الا ماندر وبالوصول إلى الحركات السياسية التي انبثثت مع تأسيس الاحزاب العراقية بعد الحرب العالمية الأولى شهدت أرض العراق احداثا دامية اخرى راح ضحيتها ملوك وقادة واقليات دينية وقومية ومذهبية وتعرضت فيها شرائح مختلفة من المجتمع العراقي إلى التنكيل والتشريد والسبي والتسفير ودفن الألاف في المقابر الجماعية ..مثل هذا السلوك العنفي المترامي الأطراف والمتداول والمتوارث لايمكن انكار وجوده ولايمكن وصفه بعد كل هذه السنوات الطويلة على انه سلوك استثنائي وعزله عن ثقافة وتاريخ مجتمع فرضت عليه الصراعات السياسية أن يتعايش مع أجواء التهديد والخوف والرعب وبالتالي فان افرازات هذه التربية وهذه الثقافة وهذا التاريخ لايمكن فصلها عن سلوكيات مجتمعية تصدر عن جيل جديد ينتمي وجوديا شعوريا إلى اجيال تعايشت مع مظاهر العنف في بلاد تفتقد الامان والاستقرار لم يهنا اهلها بالامن والسلام سوى سنوات معدودة وحتى تحين فرصة صنع هذا السلام بتحقيق العدالة والرخاء وازاحة الظلم فان مثل هذه المشاهد المرفوضة انسانيا ستبقى ماثلة في حياتنا جميعا
د. علي شمخي