المسرح والصحافة والثقافة والفن
متابعة – الصباح الجديد :
حراك ثقافي وفني لافت تشهده ساحات الاحتجاج الشعبي الذي عم بغداد ومدناً عراقية أخرى منذ نحو شهرين، ذلك الحراك الذي وصفه مراقبون بأنه بداية عهد جديد أعاد للفنون والآداب والصحافة هيبتها وتأثيرها في بناء وعي الجمهور واستنهاض همته وهمة العاملين فيه نحو توجيه دفة المتظاهرين ونقل صورة معبرة عنهم.
فكانت النتيجة إصدار ثلاث صحف جديدة، وتأسيس إذاعة ونشرة إلكترونية، وتنظيم معارض رسم مفتوحة، وفسح المجال لعروض سينمائية ومسرحيات هادفة، إضافة إلى إنشاء قناة تلغرام لتداول آخر أخبار الاحتجاجات.
ثقافة التظاهرات
يقول الإعلامي والروائي عبد الستار البيضاني إن الاحتجاجات شكلت انعطافة كبيرة في الحياة العراقية، وهي الأبرز منذ اندلاع الثورة وخصوصاً في الجانب الاجتماعي من خلال تنظيم شتى الفعاليات الثقافية والفنية.
وأضاف أنه مثلما لا نجد للتظاهرات رموزاً قيادية، فقد أنتجت ثقافة خاصة لم تتبلور رموزها بعد.
وقال نلمس في القصائد والأهازيج والأغاني والفن التشكيلي المؤدى في ساحات الاحتجاج شيئا غير مألوف.
فالرسومات التي ملأت نفق ساحة التحرير تذكر بمعارض الملصق السياسي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، معتبراً أن المعارض في ساحات الاحتجاج ولدت بشكل عفوي من دون دعوات ولا شعارات ولا إعلانات، ويمكن ملاحظة أنها تكاد تجمع أنماطاً أخرى من الفن مثل الجداريات والبانوراما.
تشكيليون يفتحون علب ألوانهم
التشكيليون أيضاً افتتحوا علب ألوانهم بعدما أهملوها لسنوات، وراحوا يخطون عراقاً جديداً يحلمون به بحرية هذه المرة، هكذا علقت الفنانة ندى الحسناوي التي شاركت مع آخرين في مهرجان فني في ساحة التحرير، وقالت «الرسم وسط أجواء الاحتجاج يمنح قوة خاصة وإبداعاً متوازياً لا نشعر به إنما ينصب على اللوحة حتى يجعلها تنطق، وقد أهديت لوحتي إلى شهداء ساحة الاحتجاج».
من جانبها، عدت طالبة كلية الفنون في جامعة بغداد شمس فلاح ،التي شاركت في مهرجان فني للرسم الحر في ساحة التحرير مع مجموعة من الطلبة، أن مشاركتها حملت رسالة مهمة وهي دعم المتظاهرين وتجسيد ثورتهم ،وإضافة اللمسات الجمالية في الساحة، وأيضاً لصنع مساحة من الأمل وكسر الرتابة التي شكلت خليطاً مهماً مع بقية الفنون الموجودة هناك من غناء وعزف ومسرح.
وأكدت أن الفنون لابد أن تكون ملاصقة لهموم الجماهير وتعبر عن رفضهم للعبودية والظلم.
بدوره، علق الإعلامي والناشط أحمد عبد الحسين أحد المشرفين على إصدار صحيفة «توك تك» الجديدة، بالقول «الجريدة ناطقة باسم المتظاهرين وتحكي تطلعاتهم وأهدافهم وأحلامهم، وكذلك تنشر أخبار الثورة وأصداءها، وقد شكلت نقلة نوعية من حيث موادها وكذلك إقبال الناس عليها مما أعاد للجريدة الورقية هيبتها وتأثيرها بعدما هجرها المواطن في السنوات الأخيرة».
وأضاف «حتى الآن هناك تنافس في إصدار ثلاث صحف مستقلة جديدة شكلت منعطفا مهما للإعلام العراقي».
عن ذلك تقول الكاتبة والروائية رغد السهيل «إن عالماً من الثقافة والأدب والتفاعل الحي لكل تلك الفنون تجده في ساحات الاحتجاج، وأنا أتفاجأ كل يوم بمستوى وعي الشباب العراقي التواق للمعرفة والتطور وكذلك رغبته للتعبير عن طاقاته سواء بالرسم أو الغناء».
وعدت أن الصحف الورقية الجديدة تعد بداية عهد جديد للصحافة العراقية المستقلة بعد أن عاشت 16 عاماً رهينة الأحزاب الممولة لها، واستطاعت الثورة العراقية أن تجذب إليها حراك الكثير من الأدباء والمفكرين الذين ناصروها وكتبوا عنها، في محاولة للاقتراب من عالم الشباب المنتفض».
إذاعة التحرير
من يزور ساحة التحرير يتردد على مسامعه صوت إذاعة تنقل له الأخبار والأحداث على نحو منتظم، إنها إذاعة التحرير صوت التظاهرين، التي أنشئت حديثاً بدعم من تبرعات مثقفين وعراقيين في الخارج، كما يقول الإعلامي حميد قاسم الذي رافق المتظاهرين منذ بداية احتجاجاتهم.
ويضيف «بسبب صعوبة الحصول على موافقة بث الإذاعة على الترددات بشكل رسمي، وجدنا حاجة ماسة لنقل أخبار المظاهرات والبيانات وتنظيم الفعاليات الشخصية إلا أنها نجحت في إيصال رسالتها».
وقال «وجدنا حاجة لنصب شاشة عملاقة تنقل أحداث مهمة تتعلق بالمظاهرات والأخبار، فجاءت التبرعات لشراء شاشة كبيرة ومن ثم نصبها في ساحة التحرير، تم من خلالها بث العديد من أخبار وأصداء الاحتجاجات.
متظاهرون متفاعلون
وعن رأيه بكل من الإذاعة وشاشة العرض السينمائية والصحف الجديدة يقول المتظاهر رعد إلياس «لم تعد ساحة الاحتجاج التي يعرفها الجميع بأنها ساحة لإطلاق الأصوات المطالبة بالتغيير فقط، وإنما غدت ميدانا للفكر والثقافة والتعلم أيضاً».
أما سمر عادل (23 عاماً) التي دأبت على زيارة ساحة التحرير منذ أيام فقالت «ساحة الاحتجاج لا تشبه كل الساحات، هنا أجد كرامتي وحريتي، وعي الشباب تغير كثيراً ويظهر حرصاً على احترام الفتيات اللائي يأتين للمشاركة في التظاهرات».
خيمة مسرح التحرير
الشباب المسرحي أرادوا أن يكون لهم صوتٌ مؤثرٌ في الاحتجاج العراقي فقرروا إنشاء خيمة مسرح التحرير والتي ستقدم العروض المسرحية بنحو يومي.
المخرج مسرحي كحيل خالد وأحد المساهمين بإنشاء الخيمة قال في حوار صحفي إن «الهدف من إنشاء مسرح التحرير هو للعروض المسرحية بشكل يومي وكذلك الندوات والورش»٠
وأضاف إن «العروض المسرحية ستبدأ بعد المغرب وبشكل يومي حيث ستكون الخيمة مفتوحة أمام جميع المخرجين من دون استثناء»٠
خالد الذي يتواجد منذ بداية الاحتجاج في ساحة التحرير يقول إن «فتح الخيمة جاء بتبرعات ذاتية من قبل المخرجين والفنانين والجميع عبّر عن فرحه بهذه الخطوة»٠ وبين أن «عروض موندو دراما ستقام بنحو يومي لفنانين كبار حيث طلبوا المساهمة في إنجاح خيمة مسرح التحرير والعمل المشترك هو أساس للنجاح»٠
واختتم خالد حديثه قائلاً إن «الهدف من إنشاء الخيمة لإدامة زخم الاحتجاج السلمي حتى تحقيق المطالب المشروعة التي خرج من أجلها الشعب»٠
لن يقتصر عمل الخيمة على تقديم العروض المسرحية فقط أو الندوات التي ستتركز حول المسرح العراقي.
ورشات تدريبية لطلاب المدارس ومن يرغب، فضلاً عن مسرح الشارع وبشتى مناطق ساحة التحرير سيكون من ضمن عمل خيمة مسرح التحرير. باسم الطيب – ممثل ومخرج مسرحي يذكر في تصريح له،إن «العمل في خيمة مسرح التحرير سيكون على مدار الساعة «٠
وأضاف الطيب أن «في الصباح ستكون هناك ورش تدريبية فضلاً عن بروفات للمسرحيات التي ستقدم ومع حلول الظلام ستعرض الأعمال المسرحية»٠ وبين أنه بمجرد الاعلان عن إنشاء خيمة مسرح التحرير جاءت طلبات لنا من طلاب إعدادية يرغبون بالتدرّب على التمثيل المسرحي وسيكون لهم جدول للتدريبات»٠
وأشار الى أن «العروض المسرحية لن يكون ممثلوها من المسرحيين فقط بل سيشارك المتظاهرون كذلك بعد تدريبهم وبالتأكيد فإن المشاركة اختيارية»٠
وزاد الطيب أن عروضاً مسرحية ستقدم على شكل مجموعة تنطلق من الخيمة وتعرضها بين الناس في ساحة التحرير أو جسر الجمهورية أو جسر السنك وبشكل يومي أيضاً»٠
وأشار الى أن التفاعل كان كبيراً بين جيلنا المسرحي والأجيال المسرحية التي سبقتنا حول فتح خيمة مسرح التحرير وسيكون التواجد فيها كبيراً من قبل جميع المسرحيين لأن الهدف هو إنجاح الثورة»٠
وبالارتباط مع الاحتجاجات فإن منظمة العفو الدولية أكدت أنها تدين الجرائم الوحشية التي نفذتها القوات الحكومية بحق المدنيين العُزّل في الناصرية بإستعمال الذخيرة الحية.
تؤكد المنظمة أن فريقها الرقمي تحقق من صحة الفيديوهات التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تثبت تورط الجنود بقتل المدنيين العزل وهم يفرون من إطلاق النار.
وبينت أن الهجوم الوحشي الذي نُفِذ في الناصرية أمس هو الأحدث في سلسلة الأحداث المميتة، حيث قامت القوات الأمنية العراقية بممارسة عنف مروع ضد المتظاهرين السلميين الى حد كبير، ويجب أن يتوقف حمام الدم هذا وعلى المجتمع الدولي أن يتكلم بصوت عال وواضح للضغط على الحكومة.
إعادة الفرح
من جهته، يقول الرسام محمد عبد الوهاب (23 عامًا) «نحن جيل التغيير».ويؤكد هذا الشاب الذي يتحلق حوله عشرات آخرون على جانب النفق الذي غطت لوحات جدارية عشرات الأمتار من جدرانه، ان «هذا التغيير نحو الافضل». ويواصل بجهد رسم خارطة للعراق باللون الأبيض على خلفية سوداء، ليتدرج إلى حافاتها برسم شعارات كتلك التي رفعها محتجون في ساحة التحرير.
في غضون ذلك، يقوم رسام آخر بكتابة كلمة «حب» تضعها أياد ملطخة بالدماء، موضحاً إن عشرات «الشهداء» سقطوا منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر.
وفيما تواصل السلطات اتهام «مندسين» بين المحتجين يحاولون حرف التظاهرات، يؤكد عبد الوهاب «لسنا هنا للتدمير أو الاعتداء على الدولة».
ويضيف «نريد إعادة الألوان والفرح» في العراق الذي عانى خلال 40 عاماً من حروب متتالية وحصار وعنف طائفي واعتداءات من تنظيمات جهادية.
بلدنا بحاجة لهذا
يعتقد محمد عباس (38 عاماً)، وهو بغدادي يقطع طريقه صباح كل يوم عبر النفق منذ 16 عاما للوصول إلى عمله، إن الهدف تحقق.
ويوضح هذا الرجل المفتول العضلات أنه «منذ 16 سنة، لم أر هذا المكان جميلاً بهذا الشكل فعلاً بلدنا بحاجة لهذا».
ويؤكد عباس أنه «عادة، تكون الجدران قذرة ويغطيها السواد»، بسبب التلوث في العاصمة التي يصل عدد سكانها إلى عشرة ملايين نسمة، وتعاني من اختناقات مرورية يومياً.
ويضيف هذا الرجل وهو يواصل سيره باتجاه موقع الاحتجاجات المطالبة بالقضاء على الفساد في البلاد، إن «الشباب نجحوا في تحقيق ما لم تفعله الدولة، برغم إنفاقها المليارات على بغداد».
اما الشاب إبراهيم فقد قرر القيام بجولة داخل النفق، الذي يتحول بعد ظهر كل يوم إلى ما يشبه المهرجان.
آلات مختلفة
ويتوافد موسيقيون للعزف على آلات مختلفة من العود إلى الكلارينيت فيما يقوم آخرون بالحفر على الخشب ويبيع بعضهم سلاسل مفاتيح على شكل عجلة «توك توك»، المركبة الصغيرة ذات العجلات الثلاث والتي صارت أيقونة التظاهرات من خلال عمليات نقل الجرحى وتوفير خدمات للمتظاهرين.
ويؤكد إبراهيم أن «هؤلاء الفنانين وبالقليل مما يتوفر، أرسلوا رسالة سلمية إلى العالم كله. نقول للعالم إن الشعب العراقي حي».