« يا ثنوة ابنج.. رافع رأسج «
بغداد – الصباح الجديد:
يا ثنوة ابنج رافع رأسج … بهذه الكلمات شيع الشهيد المتظاهر اليتيم « ابن ثنوة « كما يحب ان يناديه اصدقاؤه ففي فجر حزين لاح في ساحة التحرير، يوم الثلاثاء 29 تشرين الأول/أكتوبر، ودع المتظاهرون جثمان الناشط صفاء السراي، الذي قتل على يد قوات الأمن قرب جسر الجمهورية، وسط العاصمة بغداد.
أصيب صفاء السراي بقذيفة غاز في رأسه بشكل مباشر، على وفق شهادات ناشطين وشهود عيان كانوا إلى جانبه لحظة سقوطه، عصر الإثنين 29 تشرين الأول/أكتوبر، ونقل إلى مستشفى الجملة العصبية إلى الجنوب من ساحة التحرير، وهو في حالة حرجة جدًا.
لم تفلح محاولات إنقاذ صفاء السراي على مدى عدة ساعات وهو في العناية المركزة، حيث كانت الإصابة بالغة، ليعلن عن وفاته، قبيل منتصف ليل الإثنين.
وشيَع الآلاف مع ساعات الفجر الأولى، جثمان السراي، في ساحة التحرير، بحزن بالغ، تلبيةً لرغبته، حيث كان قد أوصى أن يطاف به حول نصب التحرير، بحسب شهادات بعض أصدقائه المقربين.
وتقدمت عربات «التوك تك» التي باتت تعد أيقونة احتجاجات تشرين في العراق، مسيرة التشييع «ابن ثنوة» كما يلقب صفاء السراي نفسه نسبة إلى والدته، فيما استمرت صرخات أصدقائه تلاحق سيارة «الكوستر» التي حملت النعش، تتعهد بـ «استمرار الاحتجاجات والمطالبة بدماء السراي ورفاقه الذين قتلوا، منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر».
من هو صفاء السراي؟
وُلد صفاء السراي عام 1993 لعائلة بغدادية، سكنت مناطق «جميلة والشعب»، تخرّج من الجامعة التكنولوجية، وخلال سنوات الدراسة، عمل في سوق «جميلة» حمّالًا، على وفق ما يقول أصدقاؤه المقربون.
أكمل صفاء السراي دراسته من دون أي سنة رسوب، وتخرج مبرمجًا من قسم علوم الحاسبات في الجامعة التكنولوجية، وبعد التخرّج، عمل في كتابة العرائض (عرضحالجي) أمام إحدى مديريات المرور.
شارك صفاء السراي في جميع الحركات الاحتجاجية التي صادفته تقريبًا، يقول أصدقاؤه إنه لم يترك حركة احتجاجية من دون أن يكون ضمن أفرادها.
شارك صفاء السراي في تظاهرات العام 2011 في ساحة التحرير، في حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتعرض للضرب بالهراوات على يد القوات الأمنية، وعام 2015، في حقبة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، شارك في تظاهرات الحادي والثلاثين من تموز/يوليو في بغداد، والتي انطلقت لمؤازرة تظاهرات محافظة البصرة بعد مقتل المتظاهر منتظر الحلفي، وتعرض أيضًا للضرب، كما شارك في تظاهرة أصحاب البسطيّات بعد حملة إزالة نفذتها السلطات وكان دائماً يردد ( محد يحب العراق بكدي «.
تعرض صفاء السراي للاعتقال خلال تظاهرات العام 2013 التي طالبت بتقليص امتيازات المسؤولين الحكوميين والنواب، ثم اعتُقل مرة أخرى عام 2018، على خلفية اشتراكه في تظاهرات المناطق الفقيرة شرق بغداد (المعامل والحسينية)، وبعد إطلاق سراحه، قال مقربون من صفاء السراي، إنه كشف لهم عن تلقيه تهديدات على صفحته في فيسبوك لثنيه عن الاستمرار في المشاركة بالاحتجاجات، حيث تلقى رسائل من «حسابات وهمية» تُظهر صورة التُقطَت له في أثناء تواجده في المُعتقل، وتحذره من الاستمرار.
يقول أصدقاؤه، إنه لم يكن يُخفي مخاوفه من الاستهداف، لكنه كان يواصل في اليوم التالي عمله المعتاد، الاحتجاج.
قبل أسبوع من وفاته، حصل صفاء السراي للمرة الأولى على وظيفة في اختصاصه، حين تم توظيفه في جامعة أهلية.
عُرِف صفاء السراي، بالجرأة الشديدة، يقول أصدقاؤه إنه كان كثير الاشتباك مع الإعلاميين و»النُخب» التي يتهمها بالمهادنة، وبّخ في وقت سابق، جمعًا من الشعراء كانوا بانتظار مسؤولة حكومية لتنظيم «فعالية شعرية» بينما كانت تندلع الاحتجاجات على الخدمات، وكتب باسمه الصريح وصورته، ضد العديد من الإعلاميين «في أوقات الاستراحة» من الاحتجاجات.
تُوفي والد صفاء السراي في وقت مبكر من حياته، وفي عام 2017، توفيت والدته بعد إصابتها بالسرطان في عدة أجزاء من جسدها، على وفق ما يكشفه زملاؤه الذين يؤكدون على أنه شخص تحلى برباطة جأش شديدة، جعلته يتجاوز المِحن التي تواجهه، ويواصل مهامه ونشاطه.
كتب صفاء السراي الشعر الشعبي والفصيح على نطاق ضيق، كما كان رسامًا ماهرًا على حد قول زملائه، وفي الشعر، كان يُبدي إعجابًا منقطع النظير بالشاعر العراقي المعروف بثوريته، مظفر النواب.