بيئة تغير المناخ في العالم العربي.. المخاطر والحلول العملية
متابعة الصباح الجديد :
يصف الخبراء معنى التغير المناخي بأنه اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار، التي تميز كل منطقة على الأرض، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية على المدى الطويل.
وتصنف هذه التغيرات على وفق خبراء البيئة إلى نوعين، أحدهما مصدره الطبيعة ذاتها، ويمثل ذلك النسبة الأقل وهي 13%، في حين يتحمل الإنسان المسؤولية الأكبر عن تلك التغيرات بنسبة 87%.
وتشير دراسة حديثة، أجراها فريق من الباحثين الدوليين في جامعات «إكستير» البريطانية و»فاجينينجين» الهولندية و»مونبلييه» الفرنسية، إلى أن البلدان الاستوائية، التي تنتمي لها المنطقة العربية، تميل إلى أن تكون الأقل إصداراً لغازات الدفيئة، مقارنة بدول نصف الكرة الأرضية الشمالي الأكثر إصداراً، ومع ذلك ستكون الأكثر معاناة من التقلبات المناخية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من ظاهرة عدم المساواة المتصلة بالمناخ.
وعلى وفق الدراسة التي نشرتها دورية «Science Advances» في يوليو/تموز الماضي، فإن «تقلبات درجة الحرارة في المناطق الاستوائية ستؤثر على الأنظمة البيولوجية، وتهدد الأمن الغذائي، وتمثل خطورة على الزراعة والبشر والاقتصاد، وتهدد الأنواع الحيوانية والنباتية، وتؤدي إلى تجفيف التربة الاستوائية، بسبب زيادة التبخر مع ارتفاع درجات الحرارة».
زراعات تتحمل الجفاف
وينظر الخبير البيئي الدكتور مجدي علام لهذه الدراسات وغيرها بعين الاعتبار، لأنها تنبه إلى مشكلة كان الكثيرون لا يتحدثون عنها بجدية في الماضي.
ويقول الدكتور علام: «برغم ما شهدته المنطقة العربية طيلة العقود الماضية من ارتفاع شديد في درجات الحرارة وهو ما ينبئ بمزيد من الجفاف والتصحر، لكننا كنا لا نلحظ جدية في الشعور بحجم المشكلة، وهو الوضع الذي بدأ يتغير مع تفاقم المشكلة».
وسجلت الصيف الماضي مدينة العمارة العراقية ومنطقة مطربة بالكويت أعلى معدل درجات حرارة في العالم، إذ وصلت درجة الحرارة إلى 51 درجة مئوية.
وحذر البنك الدولي في تقرير صدر العام الماضي من أن معدلات درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستزيد 6 درجات مئوية بحلول عام 2050، وهو ما يعني أنها قد تصل إلى 55 أو 56 درجة مئوية.
في حين حذر البنك من النتائج الوخيمة لهذه التغيرات المناخية المسببة للجفاف، على الأمن الغذائي لسكان الدول العربية، وهو ما يفرض حلولا عاجلة بدأت تتخذها الدول العربية.
ويقول الدكتور علام: «الشيء الإيجابي أن بعض الدول بدأت تبحث عن الحلول للتعامل مع المشكلة، لأنه خطر مقبل لا محالة».
ومن الحلول التي بدأت تتخذها الدول العربية هو الاتجاه إلى النباتات المتحملة للحرارة، كما تجري مراكز الأبحاث جهودها لإدخال الجينات المسؤولة عن تحمل الحرارة في النباتات المميزة بذلك إلى النباتات الأخرى الغذائية، كما يؤكد الدكتور علام.
وكانت مصر أعلنت على سبيل المثال في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي الاتجاه إلى المحاصيل الموفرة للمياه، وتقليص المساحات المزروعة من النباتات المستهلكة للمياه مثل الأرز وقصب السكر، وطرح نبات «الاستيفيا» كبديل عن قصب السكر في هذا الإطار.
وتوجد زراعة هذا النبات في المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة, حيث تساعد الحرارة العالية على زيادة النمو الخضري, ولا يحتاج هذا النبات سوى خُمس الأرض المطلوبة لإنتاج القصب، ويحتاج إلى مياه أقل بنسبة 90%، ولذلك فهو الخيار المثالي للدول التي تعاني من شح المياه، ويعادل إنتاج الفدان الواحد من هذا النبات زراعة 80 فداناً كاملة من بنجر السكر.
كما جرت جهود بحثية في هذا الإطار لإنتاج أصناف من الأرز المقاومة للجفاف، ونجح باحث بكلية الزراعة جامعة الزقازيق في إنتاج صنف مقاوم للجفاف أسماه «عرابي»، وزرعه في أكثر من 200 ألف فدان بالمحافظات وحقق نجاحاً كبيراً.
الزراعات الملحية
ومن الجهود المبذولة في هذا الإطار أيضاً، اتجاه بعض الدول ومنها الإمارات إلى الزراعات الملحية، التي تروى بمياه البحار، في محاولة للتغلب على نقص المياه بسبب التغيرات المناخية.
وأظهرت تجارب نفذها المركز الدولي للزراعات الملحية بدبي بالتعاون مع الحكومة الإماراتية نجاح زراعة نبات الساليكورنيا باستعمال مياه البحار.
والساليكورنيا نبات محب للملح، يُستعمل كغذاء وعلف، فضلاً عن استعماله في إنتاج الوقود الحيوي، وهو نبات نحومزهر ثنائي الفلقة، يتكاثر بالبذور وتحوي الثمرة العصارية منه على بذرة واحدة تنبت في بداية الربيع، وتنمو بشكل طبيعي على شواطئ البحار، حيث تعد من أكثر النباتات تحملاً للملوحة، ويمكن أن تنمو بعيداً عن المياه في المناطق التي يزيد معدل الأمطار فيها على 1000 ميليمتر.
نبات الساليكورنيا
وعلى وفق بيان صحفي، نشره المركز على موقعه الإلكتروني، نجحت دولة الإمارات مؤخراً في تسجيل غلة بذور وفيرة من النبات، وصلت إلى 3 أطنان من البذور في الهكتار، باستعمال مياه البحر التي تمر عبر نظام تربية الأحياء المائية.
ومن الجهود الأخرى التي تبذل في هذا الإطار إنتاج صنف الأرز الصيني المقاوم للملوحة في صحراء دبي.
ونقلت وكالة «شينخوا» الصينية عن «مركز بحث وتطوير الأرز القابل للزراعة في الأراضي المالحة والقلوية»، تأكيده على نجـاح الزراعة في صحراء دبي.
وأظهرت الاختبارات أن أعلى محصول لهذا النوع من الأرز الهجين المتحمل للملوحة والقلوية تجاوز 7.8 طن لكل هكتار.
الأرز الصيني المتحمل للملوحة قد يكون حلا لكثير من الدول العربية
إدارة السواحل
ويرتبط بدرجات الحرارة المرتفعة ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية، ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، بما يهدد بإغراق بعض المدن العربية.
ويشير تقرير دولي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ صدر أواخر 2017، إلى أن مدينة الإسكندرية بمصر تقع ضمن قائمة المدن المهددة، إذ أفاد التقرير بأن شواطئ الإسكندرية ستغمر حتى مع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 0.5 متر، في حين سيجري تهجير 8 ملايين شخص بسبب الفيضانات في الإسكندرية ودلتا النيل إذا لم تتخذ إجراءات وقائية.
وتعد مدينتا عدن والحديدة باليمن من المدن المهددة بغمر مياه المحيط الهندي لها بسبب ارتفاع منسوب المياه، وهو ما يفرض أيضاً ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية.
وكانت دول مصر وتونس والمغرب وموريتانيا بدأت تعاوناً مشتركاً أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتمويل من الاتحادين الأفريقي والأوروبي، بهدف المراقبة المشتركة للسواحل بتلك الدول، والاستعداد لمواجهة تلك المشكلة.
ويقول عمر البدوي، المدير الإقليمي لبرنامج موارد الأراضي في سيداري، إحدى الجهات المشاركة في المشروع لـ»العين الإخبارية»، إن خبراء الدول المشاركة في المشروع يحللون ما يتوافر لديهم من بيانات، من خلال الزيارات الميدانية وبيانات الأقمار الصناعية، عن التغيرات في منسوب المياه، وتيارات المد والجزر، وخصائص المياه مثل درجات الحرارة والملوحة والأس الهيدروجيني، وتركيز الأكسجين المذاب، وتركيزات عناصر ومركبات كالنحاس والنيكل والنترات والأمونيا.
ويضيف أنه سيتم توفير هذه البيانات من خلال تطبيق على الهاتف، وموقع إلكتروني لمساعدة الجهات الحكومية على إدارة السواحل والاستعداد لأي خطر.