عبد الكريم واكريم
تشهد السينمات العربية منذ سنوات قليلة خلت فورة ملحوظة وحضورا في المحافل السينمائية العالمية. إذ لم يعد الأمر مقتصرا على الدول التي كانت مهيمنة بقوة كمراكز للصناعة السينمائية بل أصبحنا نرى أفلاما تصنع أيضا في الهوامش وتتميز .
في الأسطر التالية نلقي إضاءات على عشرة أفلام عربية يربط بينها كونها تميزت خلال الفترة الماضية من خلال مشاركاتها في مهرجانات عربية ودولية واقتناصها لجوائز فيها، وحصولها على رضى النقاد والمهتمين، بعضها وُزِّعَ تجاريا في قاعات العرض وبعضها الآخر مازال ينتظر.
«ليل/خارجي»
نتابع في فيلم «ليل /خارجي» للمخرج المصري أحمد عبد الله وجهة نظر شخصية لمخرج سينمائي شاب خريج الجامعة الأميركية، ينتمي للطبقة الميسورة. رؤية هذا الأخير للشخصيات التي تنتمي للطبقات الفقيرة والهامشية يطبعها نوع من الاستعلاء والاحتقار والنظرة الدونية والتي ستبدأ في التغيُّر والتَّبدل بعد احتكاكه بفتاة ليل وسائق التاكسي، هاتان الشخصيتان اللتان تَتَبَدَّى إنسانيتهما مع توالي لحظات الفيلم، لكن تبقى شخصية السائق الكهل برغم كل ذلك مليئة بالتناقضات والانتهازية عكس ابن أخته الشاب الذي مازال يحتفظ في داخله على شحنة إنسانية عالية، ويبدو ذلك بالخصوص في الكيفية التي يتعاطف بها مع فتاة الليل وكيف يَحُثُّ المخرج على أن يوصلها لمنزلها وألا يستغلها جنسيا.
في هذا الفيلم لا ينفي المخرج أحمد عبد الله ولا يتهرب من كونه يلقي نظرة متعالية على الطبقات المسحوقة من عل، بل نجده ومن خلال شخصية المخرج التي تشبهه ، وكأنه يقوم بنقد ذاتي لشخصه ولطبقته الميسورة والمثقفة والمتعالية على هموم الشعب الحقيقية. برغم كونه وطول لحظات الفيلم يفكر في صنع فيلم عنها، وهنا تكمن المفارقة.
«في عينيا»
يرجع لطفي إلى تونس بشكل اضطراري بعد أن يكون قد استقر بشكل شبه نهائي في مارسيليا بفرنسا حيث تزوج بفرنسية وأسَّسَ هنالك مشروعا تجاريا وحيث تنتظر زوجته مولودهما الأول. ويعود سبب رجوعه لكون زوجته الأولى قد مرضت مرضا عضالا وأصبح ابنهما الذي يعاني من حالة توحد في أَمَسِّ الحاجة لرعايته، وهكذا تصبح العودة المؤقتة بالتدريج عودة نهائية، فيما هو لم يخبر بعد زوجته الفرنسية عن سبب رجوعه هذا لوطنه الأم، إذ يجد نفسه شيئا فشيئا متشبثا بابنه المريض وبمساره الذي أخذَ في التحسن ببطء نظرا لتعامله المتميز هو معه ، متداركا إهماله السابق له.
نقطة قوة هذا الفيلم تتمثل في جانبه الإنساني المتميز والطاغي بحيث لا نملك كمشاهدين سوى أن نتماهى مع الحالة التي يقدمها لنا المخرج التونسي نجيب بلقاضي منذ بداية الفيلم وحتى نهايته.
«يوم الدين»
ما يجعل فيلم «يوم الدين» للمخرج المصري أبوبكر شوقي مختلفا محاولة هذا الأخير الابتعاد عن الادعاء الشكلاني المبالغ فيه وإنسانيته التي لايخلو منها مشهد منه، فهو فيلم جِدُّ حميمي وجد صادق ، نظرا لأن المخرج انطلق من تجربة حياتية حقيقية ونسج حولها حكايته البسيطة والعميقة إنسانيا في نفس الآن.
حينما نتجرأ على القول بأن وجهة نظر المخرج السينمائي تكمن في الزوايا التي يضع فيها كاميرته وحجم اللقطات التي يختارها فإن هذا الكلام ينطبق بشدة على فيلم “يوم الدين”، فبقدر ما يتماهى أبوبكر شوقي مع شخوصه ويتبنى قضاياها من خلال مشاهد تلتصق فيها الكاميرا في لقطات مقربة للشخصيتين الرئيسيتين، في لحظات الفرح والانطلاق والحنين والحيرة، فإنه يفضل في لحظات الحزن المكثف أن يبعد كاميرته ويصور هاتين الشخصيتين في لقطات عامة تبتلع فيها الصحراء الشخصيات لنراها كمشاهدين كخيالات هلامية والأصفر الصحراوي يحيط بها ويُشَيِّئها، جاعلا مسافة بيننا وبينها ومانعا عنا كمشاهدين التماهي الفج معها، وهو حينما يفعل ذلك فلِيُطَلِّقَ الميلودراما المبتزة للعواطف والتي تغري بها مثل هاته التيمات.
«مباركة»
يتناول فيلم «مباركة» قصة المُدَاوِيَّة مباركة التي تقوم بتطبيب سكان بلدة تقع على هامش مناجم للفوسفات بالمغرب ويشتغل أغلب سكانها من الرجال في هاته المناجم، وقد اختار المخرج المغربي محمد زين الدين أن تظل كاميراه داخل البلدة وألا تدخل المناجم نهائيا، لكننا كمشاهدين نتابع معاناة أهل البلدة في تدبير حياتهم اليومية، وكيف أنهم يصابون بأمراض جلدية نتيجة الدخان والغازات الآتية من المناجم ليلتجئوا باستمرار ل»مباركة» لتطبيبهم بأعشابها ووصفاتها الطبيعية، لكن مباركة لاتقف عند هذا الحد بل تَلِجُ أيضا عالم الشعوذة، خصوصا حينما يتعلق الأمر بها كعاشقة للشاب اللص وبائع السمك الذي يصغرها سنا والذي تهيم به عشقا لكنه لايُخلِصُ لها بقدر ما تعطيه من ذاتها وحبها.
وقد استطاع زين الدين المنحدر من المنطقة ذاتها التي صور فيها فيلمه أن ينقل بصدق فني تفاصيل الحياة اليومية لأناس بسطاء يَتَدبَّرون عيشهم اليومي بدون الانتباه لِكَمٍّ الاستغلال الذي يتعرضون له. وقد استطاع هذا الفيلم انتزاع أربع جوائز من المهرجان الوطني للفيلم المغربي هي : جائزتي الإخراج ولجنة التحكيم، وجائزتي أحسن ممثل وأحسن ممثلة للممثلة المغربية المتمكنة فاطمة عاطف والممثل .
«أنديكو»
تتمحور قصة فيلم «آنديكو» للمخرجة المغربية سلمى بركاش حول الطفلة نورا ذات الثلاثة عشر ربيعا، والتي تعيش حالة خاصة كونها تمتلك «قدرات غير اعتيادية» وتتنبأ بما يحصل للآخرين، خصوصا تلك الأحداث السيئة كالموت وحوادث السير. لكن أمَّها الواقعية جدا والتي لا تؤمن بغير ما تراه وتلمسه، تظن أن ابنتها تَتصنَّع تلك الحالات الغريبة التي تَمرُّ بها فقط لتمنعها من السفر لوحدها قصد الإلتحاق بالأب المسافر إلى أستراليا وتتركها مع خالتها، هذه الأخيرة التي تتفهم جيدا حالة نورا إلى درجة أنها ترافقها عند «الشوافات» والمتنبئين والفقهاء الذين يؤكدون حالة الطفلة، وتعيش معها لحظات انطلاق وانسجام تَامَّين لا تعيشهما نورا نهائيا مع أمها.
لا يمكن أن نشاهد فيلم «آندينكو» دون أن نتذكر فيلما ك»الحاسة السادسة» للمخرج الأميركي ذو الأصول الهندية م.نايت شياملان، ففي فيلمنا هذا كما في الفيلم الأميركي نتابع من وجهة النظر «المخادعة» للطفلة نورا شخصية الطفل «المهدي» المرافق لها، والتي من المفروض ألا نشكَّ نهائيا في كونها شخصية من لحم ودم وذلك طيلة لحظات الفيلم، وألا نكتشف سوى في النهاية أنها شخصية أخيها الميت، وما تكاد نورا تعي أنها هي من قتلته وهي ما زالت صغيرة السن حتى يختفي تماما، لكي تتصالح مع ذاتها ومع أمها والعالم المحيط بها.
«ولدي»
يتناول فيلم «ولدي» للمخرج التونسي محمد بن عطية قضية استقطاب الشباب من طرف الحركات الجهادية لكن بشكل فني وغير مباشر، مركزا على نتائج ذلك على أسرة المُستقطب، إذ نتابع في هذا الفيلم كيف تتعقد وتتأزم علاقة الأب والأم بعد سفر ابنهما المفاجئ إلى سوريا.
ينطلق الأب رياض في البحث عن ابنه المتغيب بشكل مفاجئ وطارئ ليقوده بحثه عنه لتركيا ثم للحدود السورية حيث قيل له أنه اتجه للانخراط في صفوف الجهاديين، هناك وفي رحلة البحث هاته تضيع الخيوط وتتشابك ولايجد الأب ابنه بل يكون فقط شاهدا على مايقع في أجواء الحرب واللا استقرار.
«صوفيا»
في فيلمها الروائي الطويل الأول «صوفيا» تُخَيِّب المخرجة المغربية مريم بن مبارك انتظارات الحركات النسوية ، فبرغم أن فيلمها ينطلق في بدايته موهما أنه سينتصر لقضية من تلك القضايا «سطاندار» التي تنال إعجاب وتهليلات هذا التيار إلا أنها وفي وسط الفيلم تقلب الدفة ليصبح سردها أكثر حميمية وشخوصها أكثر مصداقية وأصالة وقربا للواقع ، فالشاب الذي ننتظر منذ البداية أن يكون هو المذنب وشرير الحكاية، وهو المسؤول عن التغرير بصوفيا القاصر والسبب في حملها غير الشرعي، ينقلب لكونه هو الضحية الحقيقية لكل ما جرى فيما الفتاة التي نتعاطف معها أو نكاد تظهر في الأخير بمظهر المستهترة والمراهقة التي ترفض تَحَمُّل المسؤولية والتي ترمي بها على شخص ذنبه الوحيد أنه تعاطف معها ذات يوم. وهذا الجانب في الفيلم هو الذي صنع قوته بحيث يكسر كل أفق انتظاراتنا التي نبنيها ونحن نشاهد الربع الساعة الأولى منه.
الفيلم مكتوب بشكل جيد إذ يتصاعد فيه الصراع الدرامي بالتدريج ومن دون تعسف على السرد الفيلمي أو لي لعنق الحكي، وتدع المخرجة بعض المعلومات المُهِمَّة في الحبكة الدرامية لتفصح عنها في وقتها ومع إشراف الفيلم على نهايته، إذ لا تعطينا كمشاهدين كل شيء دفعة واحدة ، الأمر الذي يزيد من أهمية أسلوبها في الكتابة السينمائية، وما نيلها لجائزة أفضل سيناريو في فقرة «نظرة ما» بمهرجان كان سوى اعتراف مستحق في هذا السياق.
«فتوى»
ينفتح الفيلم الجديد للمخرج التونسي المخضرم محمود بن محمود «فتوى» على عودة إبراهيم إلى تونس قادما إليها من فرنسا إثر وفاة ابنه الذي قَرَّرَ محققو الشرطة أنها ناتجة عن حادثة سير عادية. لكن إبراهيم لن يستسلم وسينخرط في تحقيق ذاتي مضاد سَيُؤدِّي به بداية إلى معرفة أن ابنه مروان تم استقطابه من طرف الحركات الدينية المتشددة بعد أن كان رَسَّاما موهوبا وطالبا في مدرسة عليا للفنون. ومع توالي الأحداث نعلم أن لِانفصال إبراهيم عن زوجته السابقة أم مروان البرلمانية العِلمانية والمناهِضة للإسلاميين دور كبير في المسار الذي التجأ إليه إبنهما مروان كهروب من تفكك أُسرَوِي كان ضحيته الأولى.
اختار المخرج محمود بن محمود أن يجعل شخصيته الرئيسة إبراهيم في «الوسط» ، كونه مسلما بالعقيدة فقط وغير مُمَارس للطقوس الدينية، فهو لا يصلي ويشرب الخمر ويلعب القمار، لكنه في الوقت نفسه يُصِرُّ على ألا تُمَسَّ الطقوس الدينية، ومن بينها إصراره على دفن ابنه على أُسُسِ ومبادئ الشريعة الإسلامية عكس أُمه التي قطعت نهائيا مع الدين وألَّفَت كتابا ضد المُتشدِّدِين دينيا، كلَّفها فتوى تُبِيحُ دمها وتُعلنها كافرة ومرتدة على المَلَإ.
أهم شخصية في فيلم «فتوى» الذي حصل على التانيت الذهبي لمهرجان قرطاج السينمائي في دورته الأخيرة، هي شخصية إبراهيم، المواطن الاعتيادي والذي يكتشف مع مرور أحداث الفيلم الحقيقة المُرَّة كون ابنه مات ضحية الصراع الشرس حول السلطة، ومحاولة السيطرة على دواليب المجتمع، بين الإسلاميين والعلمانيين.
«أكاشا»
يتميز فيلم أكاشا للمخرج السوداني النوبي حجوج كوكا كونه جاء فيلما مختلفا وجميلا في وقت لا وجود فيه للسينما في السودان نهائيا. وتدور أحداث هذا الفيلم على خلفية الحرب الأهلية، بحيث يظل عدنان مع حبيبته وينسى واجبه العسكري إلى أن يأمر القائد العسكري بتطبيق قانون «أكاشا» الذي يخص الجنود الهاربين من الجندية.
يتناول حجوج كوكا أجواء الحرب بشكل مختلف يطغى عليه في كثير من لحظات الفيلم الجانب الكوميدي الذي يخفف من ثقل أجواء الحرب وقساوتها مركزا على عشق الناس للحياة ومماسة طقوسها بحب حتى في أقسى لحظات التوتر والصراع.
«كفر ناحوم»
«كفر ناحوم» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي فيلم إشكالي اختلفت حوله آراء النقاد والمهتمين، ففيهم من اعتبر أن المخرجة قد ألقت نظرة استشراقية على المجتمع اللبناني مغازلة للعين الغريبة التي تريد أن تشاهد فقط الجانب البئيس في دول المنطقة، الأمر الذي مَكَّنها من نيل جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان السينمائي، إضافة لِإلقائها اللائمة على الفقراء وكأنهم هم السبب في فقرهم وليس من يَستغِلُّهم، لكن هنالك آراء أخرى تجد في الفيلم تلك الرؤية التي تُعَرِّي عن المسكوت عنه وتتناوله بشكل جريء وجمالي ومختلف.
تدور قصة الفيلم حول الطفل زين الذي ينتمي لأسرة فقيرة جدا، والذي يناضل من أجل البقاء في غابة من البؤس والفقر والتشرد.