الخداع

 جديد العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد كتاب “من يجرؤ على الكلام”

الحلقة 19

لعل أكثر التعريفات جزالة واختصارا بالكاتب والسياسي بول فندلي، ما قالته “هيلين توماس” عميدة المراسلين السابقة في البيت الأبيض، التي عاصرت عدداً من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، كان آخرهم باراك أوباما، اذ وصفته في مقالة مهمة عن الشرق الأوسط ب”الرجل صاحب الضمير الحي، الذي يجرؤ على قول الحقيقة”.

ولنضع تحت ” الذي يجرؤ على قول الحقيقة ” خطين، ففي اميركا يمكنك ان تقول أي شيء عن أي كان، حتى انه يمكنك ان تشتم الرئيس، لكن كل ما يتعلق بإسرائيل والعلاقة التي تربطها بالمسؤولين الأميركان، خط احمر.

هناك..حيث الديمقراطية وحرية التعبير، ثمة جهاز استخباري كامل، يعمل فيه إسرائيليون واميركان، وصهاينة، يسمى منظمة ” ايباك ” هذا الجهاز الذي تطلق عليه مفردة منظمة، هو الذي يسيطر ربما على نحو 90% من الاعلام الأميركي والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ان لم نقل اكثر.

وهذا الجهاز- المنظمة، حارب على الدوام اية حقيقة او محاولة لفضح العلاقات الأميركية –الإسرائيلية، او الاساليب التي تتبع للتأثير السلبي على الرأي العام الأميركي، بدعوى معاداة السامية، ولكنه – الجهاز – لم يتمكن من بول فندلي عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية الينوي لمدة 22 سنة، والذي نشر او كتاب له سنة 1985 بعنوان من يجرؤ على الكلامن وفضح فيه خفايا العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتحدث ربما للمرة الأولى عن دور ايباك في اتخاذ القرارات المصيرية لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين، من دون وجه حق.

بعد صدور من يجرؤ على الكلام، لم يفز فندلي بعضوية الكونغرس مرة أخرى، بعد ان حشد ايباك لخسارته في الانتخابات، ولكن هذا الأمر لم يثن بول فندلي عن مواصلة الكتابة وفضح الحقائق في كتب عدة هي إضافة الى ” من يجرؤ على الكلام “، ” لا سكوت بعد اليوم “، و” اميركا في خطر “، والذي ضم مذكرات فندلي عن السياسة الأميركية إزاء إسرائيل، و “اللوبي الإسرائيلي” والسياسة الخارجية الأميركية” شارك في تأليفه عالما السياسة البارزان الدكتور “جون مرشماير” من جامعة شيكاغو والدكتور “ستيفن والت” من جامعة هارفرد، و” الخداع ” الذي نضع هنا بعضا منه بين يدي القاري الكريم..  

تجدر الإشارة الى ان من ينتقد إسرائيل في اميركا، وتأثير اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، قليلون جدا وهذا ما دعا الكاتبة والمؤلفة “غريس هالسل”، الصوت القوي المطالب بالعدالة في الشرق الأوسط، تقول لفندلي قبل وفاتها “علينا التضافر معاً، لأننا قليل عديدنا، فما يزال عدد من هم على إستعداد لإنتقاد إسرائيل جهارا قليلاً، وعلى الذين يجهرون بالكلام أن يستعدوا لتلقي المعاملة الخشنة”.

بول فندلي

الأسطورة:

(( أعتقد أنّ موقف السلطة التنفيذية [من ربط ضمانات القروض بتجميد المستوطنات] أمر مقلق، خصوصاً وأن مفاوضات السلام في الشرق الأوسط تجري الآن، لأن هذا الموقف سيترتب عليه تقويض موقف الولايات المتحدة كوسيط نزيه)).

أولين سبكتر، السناتور الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا (1980-).

الحقيقة:

لو أنّ إدارة بوش منحت ضمانات لقروض بعشرة بلايين دولار، حسب طلب رئيس الحكومة اسحق شامير بأن لا تربط بالمستوطنات، لكانت الولايات المتحدة عندئذ قد وقفت ضد سياستها الثابتة منذ وقت طويل، وخسرت مصداقيتها، وعجزت بالتأكيد عن الظهور ((كوسيط نزيه)).

فمنذ إحتلال إسرائيل للأراضي العربية في العام 1967، كانت سياسة الولايات المتحدة مثل سياسات بقية دول العالم تعارض المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية العربية. وقد درجت إسرائيل على التعهد بألا تستخدم المساعدات الأميركية الاقتصادية في المناطق المحتلة، بالرغم من أنها درجت أيضاً على عدم الالتزام بتعهداتها. هذا بالإضافة إلى أنّ قرار الأمم المتحدة رقم 242، يدعو إلى مقايضة الأرض بالسلام، وهو احتمال يصعب حدوثه إذا استمرت إسرائيلي في استعمار الارض. وعليه لو أنّ الرئيس بوش منح الضمانات حسب شروط شامير، لكان قد خالف سياسة الولايات المتحدة الرسمية وقرارات الأمم المتحدة التي دأبت على اعتبار المستوطنات اليهودية ((لاغية وباطلة)).

وقد فرض شامير ضرورة حسم الموضوع فوراً عندما رفض محاولات البيت الأبيض تأجيله، وقام بعد ذلك بتحدي الرئيس بوش علانية. وأخذ المسؤولون الاسرائيليون يستخدمون لغة بشعة تتصف بالتحدي. ومنهم رحبعام زئبقي، وزير الدولة الإسرائيلي، الذي وصف الرئيس بوش بأنه ((كذاب)) وأنّه ((مناهض للسامية)) وكذلك شامير الذي لم يقم شخصياً باستنكار ذلك، وبقي زئبقي في الوزارة.

وفي أوائل علم 1992 قال شامير: ((لا توجد قوة في العالم يمكنها وقف هذا البناء. نقول لأنفسنا وللاخيار في العالم وللأجيال القادمة: هنا سيكون وطننا، هنا ستكون ديارنا إلى أبد الابدين… سنبني، وآمل كثيراً بأن نحصل ايضاً على الضمانات. وعلى أي حال فإننا على يقين من أننا سنستمر في استيعاب الهجرة)). وقال وزير المالية، إسحق موداعي، في اليوم نفسه في مقابلة إذاهية أنه يوصي برفض ضمانات القروض بدلاً من قبولها مشروطة. وفي السياق نفسه قال موشي أرينز وزير الدفاع للمستوطنين في أر يئيل، بأنّ الحكومة لن توافق على السلام ((إذا كان على حساب حقوقنا في أرضنا)).

وفي 26 كانون الثاني/ يناير عاد شامير إلى الموضوع في خطاب له أمام صحفيين يهود في القدس. وبالرغم من أنه كان يتكلم بالعبرية، فقد تحول إلى الإنكليزية عندما قال: ((لتفادي أيّ سوء فهم، إن إسرائيل وجميع أولئك الذين يمثلون إسرائيل لا يتكلمون أو لا يتحدثون عن أي تجميد للمستوطنات. أرجو أن تنسوا الموضوع)).

وازاء هذا العناد، مثل وزير الخارجية جيمس بيكر أمام الكونجرس في 24 شباط/ فبراير عام 1992، وحدد علناً، وللمرة الاولى، سياسة الإدارة والأسباب التي تدعوها إلى الاصرار على الربط في شهادته أمام اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية التابعة لمجلس النواب التي يرأسها النائب الديمقراطي عن وسكنسون، ديفد ر. أوبي)).

وكانت حجة بيكر في تبرير سياسة الربط مؤثرة وبليغة، قال: يصعب على الولايات المتحدة منح أموال ستستخدم في اتباع سياسة تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة بشكل مباشر. وعندما اعترض النائب الديمقراطي عن ولاية فلوريدا، ((لاري سميث))، أحد المؤيدين المخلصين لإسرائيل، أمام بيكر بحجة أن البيت الأبيض لا يطبق سياسة ربط مشابهة مع العرب، ردّ بيكر: (لم تتقدم أي جهة أخرى بطلب 10 بلايين دولار كمساعدة إضافية غير الثلاثة أو الأربعة بلايين التي نقدمها لها كل سنة بدون قيود)).

وأيّد الأميركيون بقوة سياسة بوش وبيكر. وأظهر استقصاء للرأي أجرته ((وول ستريت جورنال)) مع شبكة ((إن بي سي نيوز))، أن 18% من الأميركيين فقط يؤيدون منح الضمانات وأنّ 72% يعارضونها. كما أن ((النيويورك تايمز))، التي راحت تعبر بشكل متزايد عن آراء القوميين الاسرائيليين المتطرفين بسبب المعلقين الموالين لإسرائيل، ومن أمثال: أ.م. روزنتال ووليام سافاير، أخذت موقفاً مؤيداً بقوة لبوش فقالت: ((إنّ الرئيس ووزير خارجيته على حق في التمسك بموقفهما)).

الأسطورة:

((لم يكن هناك وجود لمثل هذا الاستغلال الصريح والسافر لمساعدة إنسانية بهدف إرغام إسرائيل على تبني طريق مُعين)).

إسحق شامير، رئيس الحكومة الاسرائيلي (1983- 1984، 1986-1992).

الحقيقة:

إنّ المساعدة التي كانت إسرائيل تسعى إلى الحصول عليها لم تكن في الأساس إنسانية بقدر ما كانت مبالغ لتمويل مستوطناتها غير الشرعية ودعم اقتصادها الاشتراكي المتدهور بشكل مباشر أو غير مباشر. وأوضحت إدارة بوش تكراراً أنّها على استعداد لمنح الضمانات، كما فعلت بالنهاية، إذا أوقفت إسرائيل بناء المستوطنات في الاراضي المحتلة. وهذا ما رفضه شامير. ولهذا لم تُمنح الضمانات أثناء تولي شامير رئاسة الوزارة.

وعلى الرغم من معارضة العديد من الأميركيين اليهود إصرار بوش على الربط، فقد لوحظ أن عدداً من الناطقين النافذين باسم اليهود لم يعارضوا ذلك. وكان أحدهم مايك ليرنر، رئيس تحرير مجلة ((تيكون)) اليهودية الليبرالية الذي كتب يقول: ((إنه خطأ شامير، وليس بوش… فشامير يحاول خلق وقائع في الضفة الغربية تجعل مبادلة الأرض بالسلام مستحيلة. وهو يطالب الولايات المتحدة الآن بمنحه المال لتخريب السياسة الأميركية. أي نوع من الوقاحة هذا؟)).

وعلق صحفيان إسرائيليان بتهكم على منهجية شامير في سعيه للحصول على الضمانات فقالا: ((إن رسالتنا إلى الأميركيين إسرائيلية نموذجية: قدموا لنا مالا وثقوا بنا! سيكون كل شيء على ما يرام. ثم، لماذا تقلقون؟ ما قيمة عشرة بلايين دولار بين الأصدقاء؟ طالما أنّ الأميركيين يرغبون في هذا فانهم سيواصلون ابتلاع جميع الخِدَعْ)).

الأسطورة:

((وفقاً للتعليمات الحالية، لا يُمكن استعمال المساعدات الخارجية الأميركية لإسرائيل في ما وراء حدود 1967. وتتقيد إسرائيل بهذه التعليمات بشكل صارم، وتُقدم تقريراً كاملاً ومفصلاُ كل سنة عن نفقاتها من مجموع المساعدات الأميركية)).

إيباك.

الحقيقة:

لقد تبين لإدارة بوش أنّ وعود إسرائيل في عهد رئيس الحكومة اسحق شامير لا يمكن الوثوق بها. وظهر هذا بمنتهى الوضوح بعد أن أفرج البيت الأبيض عن ضمانات قروض بقيمة 400 مليون دولار في عام 1991 بناءً على وعد إسرائيل بألا تستخدم هذا المبلغ في الأراضي المحتلة. ولكن إسرائيل نكثت بوعدها.

وقد أظهر تقرير في هذا الشأن أعده مكتب المحاسبة العام أن تعهدات إسرائيل كانت بدون معنى. وجاء في تقرير أيضاً أنّ إسرائيل لم تلتزم بوعدها بتقديم معلومات عن النفقات الحكومية في الأراضي المحتلة. وخلص التقرير إلى القول: ((لقد تبين لنا أنّ برنامج ضمان قرض الـ400 مليون دولار لم يكن له أيَّ تأثير واضح على سياسات إسرائيل الإسكانية، ولم يُؤثر على قرارات الحكومة الإسرائيلية بشأن المشاكل الجديدة أو بشأن حجم النشاط الإستيطاني المزمع تنفيذه في المناطق المحتلة. وكان التأثير الرئيسي لضمانات القروض أنّه مكن الحكومة الإسرائيلية من الإستدانة بفائدة منخفضة)).

كما أنّ الدراسة أظهرت تفاوتاً واسعاً بين أرقام وزارة الخارجية الأميركية والأرقام الإسرائيلية بالنسبة إلى أعداد المهاجرين الجدد الذين يتوجهون إلى الأراضي المحتلة. ولاحظت الدراسة أنّ المسؤولين الإسرائيليين قدروا عدد المهاجرين الجدد الذين دخلوا البلاد في عام 1990 واختاروا الإقامة في المناطق المحتلة بـ1500 مهاجر، ومع هذا، فقد جاؤوا أيضاً في الدراسة: ((إنّ تقدر وزارة الخارجية الأميركية أكبر بكثير، وهي تعتقد أنّ نحو 8800 من أصل 185000 مهاجر سوفييتي دخلوا اسرائيل في عام 1990 يعيشون في الاراضي المحتلة. ونحن غير قادرين على تسوية هذا التفاوت)).

وقال روبرت بيرد السيناتور الديمقراطي عن وست فرجينا، ورئيس لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، أنّ تعهدات إسرائيل بعدم استعمال المال في الأراضي المحتلة كانت شبيهة ((بتمرين على بناء سد من ورق. فالمال الذي اقترضته إسرائيل بمقتضى برنامج الضمان دخل في الخزينة الإسرائيلية فوراً، وفقد هويته في الحال.

وأضاف بيرد فيما بعد: ((لم يكن هذا الربط، لسوء الحظ، كافياً للتأثير في السياسة الإسرائيلية في أي حال… والحقيقة، أن عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة ارتفع من 75,000 نسمة في عام 1989 إلى 104,000 نسمة في العام 1991. وأودُّ أن أشير هنا إلى أنّ سياسات الحكومة الإسرائيلية وممارساتها بشأن استيطان الأراضي المتنازع عليها- الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان وقطاع غزة- واضحة جداً: فقد تسارع الإستيطان كثيراً خلال السنتين الماضيتين، وبلغ ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما كان عليه في فترة مماثلة قبل سنة. وقد يتوقع المرء في ضوء تقد كمفاوضات السلام وازدياد القلق في الولايات المتحدة أن يمارس الإسرائيليون الإنضباط في سياسة الإستيطان، لكن لا يجد شيئاً من ذلك…. فالأولوية السياسية للحكومة الإسرائيلية على ما يبدو هي استيطان الأراضي المحتلة بأقصى سرعة ممكنة، وهي، على ما يبدو أيضاً، أولوية سياسية تتقدم على مهمة استيعاب المهاجرين السوفييت)). في بداية العام 1992 كان يعيش في الأراضي التي احتُلت عام 1967 نحو 242,000 يهودي- و140,000 منهم في القدس الشرقية العربية و85,000 في 150 مستوطنة في الضفة الغربية، و12,000 في 35 مستوطنة في مرتفعات الجولان، و5,000 في 16 مستوطنة في قطاع غزة. أما السكان الفلسطينيون فكانوا موزعين على الشكل التالي: مليون نسمة في الضفة الغربية، و750,000 نسمة في قطاع غزة، و150,000 في القدس الشرقية، بالإضافة إلى 150,000 درزي في مرتفعات الجولان. وقد قال أرييل شارون، وزير إسكان شامير المنتمي إلى الصقور، في أواخر عام 1991 إن خططه الحالية للبناء تهدف إلى تشييد وحدات سكنية في الأراضي المحتلة لإستيعاب ما بين 40,000 و120,000 مستوطن يهودي اضافي كل سنة خلال السنوات الثلاث القادمة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة