هل يتعلم صندوق النقد الدولي أخيرا من تجربة الأرجنتين؟

ستيفن جرينفيل *

سيدني – تعد أزمة الديون الخارجية المستعصية سياسيا في الأرجنتين بمنزلة تذكير قوي بأن صندوق النقد الدولي ما يزال غير قادر على التعامل مع تقلب تدفقات رؤوس الأموال الدولية إلى الاقتصادات الناشئة. كما تؤكد الأزمة على ضرورة إجراء إصلاحات على مستوى الصندوق ذاته.
نظرا لتاريخ الأرجنتين الذاخر بحالات العجز عن سداد الديون، فنحن بحاجة إلى العودة بالزمن عقدين من الزمن في الأقل لفهم الوضع الحالي. خلال معظم فترة التسعينات، نجحت الأرجنتين في تطبيق سعر صرف ثابت، وهذا ما عده صندوق النقد الدولي خيارا معقولا لاحتواء التضخم. وأثبت هذا النهج نجاحه بحيث اجتذبت الأرجنتين تدفقات كبيرة من رأس المال الدولي، مما سمح لها بتمويل عجز خارجي كبير.
لكن بحلول عام 1998، كان سعر الصرف يبدو مبالغا فيه في سياق معدلات التبادل التجاري السلبية، والوضع القوي للدولار الأميركي، وأزمات تدفق رأس المال في آسيا وروسيا. وبدا أنه ينبغي إضافة درجة من المرونة في نظام سعر الصرف، لكن لم يكن من الواضح كيف يمكن القيام بذلك. في الواقع، دائما ما يكون الخروج من معدل ثابت تجربة مؤلمة، يظهر خلالها الرابحون والخاسرون بوضوح.
في الوقت نفسه، ظل صندوق النقد الدولي متعاطفا مع مشكلات الأرجنتين، لأنها اتبعت توصياته ولأن لديها أصدقاء في واشنطن العاصمة. وتمسكت الأرجنتين بنظام السعر الثابت، لأنها تتمتع بميزة افتراض حسن النية من جانب الصندوق. وبالفعل، قدم صندوق النقد الدولي دعما سخيا، وأقر وصفته السياسية المعتادة لجميع الأغراض: التقشف المالي. ربما كان التقشف لينجح إذا كانت المشكلة الوحيدة تتمثل في انعدام سيولة مؤقت. لكن الأرجنتين اقترضت أكثر من اللازم، وأدرك المقرضون أن نظام سعر الصرف في البلاد غير مستدام. في ديسمبر/كانون الأول عام 2001، أنهى صندوق النقد الدولي دعمه على مضض. ثم غادر الرئيس الأرجنتيني آنذاك، فرناندو دي لا روا، قصر الرئاسة بطريقة درامية على متن طائرة هليكوبتر، في حين هوى الاقتصاد إلى الفوضى. وعجزت البلاد عن سداد ديونها الخارجية وسط إغلاق البنوك، وارتفاع نسبة البطالة إلى 20٪، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 28٪.
بحلول عام 2010، تمت تسوية هذه الفوضى وإعادة جدولة الديون الخارجية. ومع وصول رئيس جديد ذو عقلية موجهة نحو الأعمال التجارية، ماوريسيو ماكري، في عام 2015، بات من الممكن أن تبدأ الدورة مرة أخرى. لكن هذه المرة، وبناء على طلب صندوق النقد الدولي، تبنت الأرجنتين سياسة التعويم الخالص لسعر الصرف. ومع تقليص الديون الخارجية عن طريق إعادة الجدولة، تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية مرة أخرى. في الحقيقة، كان المستثمرون على استعداد لشراء سندات تصل مدتها إلى 100 عام من بلد تخلف عن سداد الديون السيادية ثماني مرات في القرنين الماضيين.
استمرت حماسة المستثمرين، وشهر العسل السياسي على المستوى المحلي، ما دامت البيئة الدولية غير خطرة. ولكن عندما تعثرت التدفقات في عام 2018، كان على صندوق النقد الدولي التدخل مرة أخرى، حيث عمل على سد فجوة التمويل الخارجي ببرنامج قروض مذهل قيمته 50 مليار دولار (زادت لاحقا إلى 57 مليار دولار).
لكن، مرة أخرى، لم تكن مشكلة التمويل الخارجي ظاهرة مؤقتة، وسرعان ما ضاق الناخبون الأرجنتينيون ذراعا بالإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي. ومع تراكم الديون الخارجية حتى تجاوزت 100 مليار دولار، وإنفاق معظم أموال الصندوق، أعلنت الأرجنتين عن عملية «إعادة تصنيف ديون» أحادية الجانب أواخر الشهر الماضي.
من منظور الشعب الأرجنتيني، هذا خبر محزن. وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، فهو يمثل خللا جوهريا في السياسة. أصبح من الواضح الآن أن التقشف المالي وتعويم سعر الصرف لا يكفيان لمواجهة تقلبات تدفق رأس المال. والسؤال الوحيد هو ما الذي يجب أن يحدث فيما بعد، ليس فقط بالنسبة للأرجنتين، حيث سيصارع صندوق النقد الدولي لإنقاذ برنامج القروض، ولكن بالنسبة إلى الصندوق ذاته.
أولا، يجب على صندوق النقد الدولي استحداث طرق أفضل لإزالة أعباء الديون السيادية غير المستدامة. ويمكن دائما حل مشكلة الديون المحلية غير المستدامة من خلال إعادة الجدولة أو الإفلاس. لكن الديون الدولية مسألة أخرى، وهنا لا يرقى سجل صندوق النقد الدولي إلى المستوى المرغوب. ففي خضم الأزمة الآسيوية عام 1998، قاوم الصندوق فكرة إعادة الجدولة بشدة. وفي الأزمة اليونانية عام 2010، سمح للدائنين (البنوك الأجنبية بشكل رئيسي) بحماية أنفسها من حماقاتها. وفي حالة الأرجنتين، رفض استخدام نفوذه للتغلب على حاملي السندات الجشعين الذين قوضوا عملية إعادة الجدولة عام 2010، حتى عندما بدأ الصندوق تنفيذ برنامج قروض ضخم.
ثانيا، ينبغي أن يواجه صندوق النقد الدولي حقيقة أن تدفقات رأس المال الدولية غير المقيدة متقلبة جدا بالنسبة للاقتصادات الناشئة الهشة. وبالفعل، بعد أن عارض لفترة طويلة فكرة فرض ضوابط على رأس المال، فقد أيد في مرحلة متأخرة – ومن دون قدر يُذكَر من الحماس -فكرة «إدارة تدفق رأس المال»، لكن فقط كملاذ أخير عندما استنفد جميع التدابير الأخرى (وتحديدا إجراءات التقشف المؤلمة).
في الواقع، يجب أن يكون وضع قيود على التدفقات أمرا معتادا في العديد من الاقتصادات الناشئة، بدلا من أن يكون في أسفل قائمة الحلول السياساتية. ويجب أن يعبر صندوق النقد الدولي عن دعمه عندما تطبق البلدان مثل هذه القيود على التدفقات المتقلبة لحافظات الأوراق المالية. فلا ينبغي أن تواجه الاقتصادات الناشئة حالات عجز خارجي ضخمة لمجرد شعور المستثمرين الأجانب بالنشاط. لأن هؤلاء المستثمرين أنفسهم سيغادرون بالجملة عندما تتغير الظروف.
ثالثا، بدلا من تحمل التدخل في سوق الصرف على مضض، ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يدعم ذلك بنشاط عندما تكون تقلبات السوق مدمرة بشكل واضح. في الواقع، أثبت عدد من الاقتصادات الآسيوية فوائد التدخل المنضبط في السوق. لذا ينبغي للصندوق الاستفادة من خبرات هذه الاقتصادات لتطوير توجيهاته التنفيذية.
رابعا، يحتاج أعضاء صندوق النقد الدولي إلى مراجعة الإدارة الداخلية للمنظمة. حيث يعد البرنامج الأرجنتيني، الأحدث في سلسلة من القرارات التي تظهر فيها هيمنة مصالح الدول الأعضاء الأكبر، المدفوعة سياسيا، في حين يجري إلى حد كبير تهميش المجلس التنفيذي غير الفعال.
جرت العادة بأن تُعامل الأرجنتين على نحو تفضيلي في واشنطن العاصمة (مقارنة ببلدان الأزمة الآسيوية في 1997-1998 على سبيل المثال). كما أن الموافقة السريعة على برنامج قروض بقيمة 50 مليار دولار، وتوسيعه إلى 57 مليار دولار بشكل ودي، زادت من الانطباع بأن الأرجنتين تتلقى معاملة خاصة على الرغم من عجزها المزمن عن إدارة ديونها.
عندما يحين وقت تحليل النتائج، سيُلقى باللوم على الضحية. كما سيُنظر إلى أوجه القصور السياسية والحكومية في الأرجنتين بوصفها دليلا على الإخفاقات التي حدثت، ولذلك ما يبرره. لكن هذه ليست المشكلة.
إن مهمة صندوق النقد الدولي هي العمل في بيئات صعبة. ولتحقيق ذلك بفعالية، يتعين عليه أن يعكف على إصلاح ذاته بالتوازي مع إصلاح الاقتصاد المضطرب في الأرجنتين.

  • ستيفن جرينفيل النائب السابق لمحافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، وهو زميل غير مقيم في معهد لوي في سيدني.

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة