المطلوب اعتذار من السيد مسعود البارزاني عن الاستفتاء

جرجيس كوليزادة

من خلال هذا المنبر الحر، وصفحات جريدة «الصباح الجديد» البغدادية، نشرنا مجموعة من المقالات والدعوات والافكار والاقتراحات ومشروع بديل بهدف تجنب فكرة اجراء الاستفتاء التي قادها ودعا اليها رئيس اقليم كردستان العراق السابق السيد مسعود البارزاني في 25\9\2017، والتي وقف ضدها كل دول العالم وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والعراق وايران، وبالرغم من رسائل التحذير والنصائح السياسية التى وجهت الى القيادة الكردية برئاسة البارزاني من اطراف وجهات ودول صديقة للاقليم، الا ان الاخير اصر على اجراء العملية برغم مخاطرها العسكرية والاقتصادية والامنية والسياسية والقانونية والدستورية على شعبنا الكردي.
وتضمنت تلك المقالات والدعوات افكارا دعت الى عدم الافراط بالعلاقة الكيانية والسيادية القائمة بين العراق واقليم كردستان، وابداء نوايا جدية لحل الخلافات بين حكومتي بغداد واربيل، وارساء العلاقات بين الطرفين على وفق اتفاقيات مبنية على الاسس الدستورية، وطرح ومناقشة فكرة الاستفتاء مع الحكومة الاتحادية والقيادات والاحزاب السياسية الشيعية والسنية، ووضع مشروع بديل على وفق اتفاق سياسي عام بين القيادات العراقية والقيادة الكردية، واخيرا دعواتنا المستميتة الداعية الى تأجيل الاستفتاء مهما كان دوافعها، وذلك بسبب المعطيات العراقية والاقليمية والدولية التي افرزتها ظروف تلك المرحلة.
وبعد اجراء الاستفتاء تبين ان العملية برمتها وماهيتها وتوقيتها وجغرافيتها كانت مغامرة سياسية وخيمة العواقب، خاصة عندما فرض البارزاني الاستفتاء على المناطق المتنازع عليها من دون اعتبار واحتساب للاشكاليات الدستورية والقانونية التي كانت محاطة بملف هذه المناطق المحسوبة ضمن الملفات الخلافية القائمة بين الحكومة الاتحادية والسلطة الفيدرالية الكردية، فكانت النتائج وخيمة وكارثية مما تولد عنها خسارة 51% من مجموع الاراضي التي كان تحت ادارة الاقليم وبجميع مكوناتها البشرية والاقتصادية والسكانية.
ولغرض التأكيد فقد اشرنا الى تلك المقالات وعناوينها في نهاية هذا المقال، وذلك بغية تذكير السيد البارزاني بها وبالنوايا الخيرة والانسانية والوطنية الكردستانية والعراقية التي تضمنتها تلك الدعوات، وذلك لدفع القيادة السياسية الكردية الى التراجع والتأجيل او الغاء عملية الاستفتاء، ولكن من مصائب القدر الاسود المحيط بالكرد تاريخيا، ان قيادته تقع دائما تحت اوهام حسابات استراتيجية خاطئة، وبالتالي تتعرض الى انتكاسات خطيرة وكارثية، ويدفع شعبنا الكردي ضرائب قاسية ومأساوية لتلك الاخطاء السياسية القاتلة، وقيادة الاستفتاء وعلى رأسها البارزاني كانت واقعة تحت تأثير حسابات وافتراضات واهية غير واقعية ولامنطقية ولاعقلانية عائدة لمجموعة من المستشارين الدوليين الاجانب كانت تعمل بالاقليم تحت امرة وقيادة وادارة السيد البارزاني، وتجلت ان السياسة التكتيكية وخطة العمل الاجرائية التي رسمت لتنفيذ الاستفتاء كانت غير متسمة ابدا بالحكمة والحرص المسؤول، ومن جانب آخر فان السياسة المتبعة والهالة الاعلامية التي صنعت حينها خلقت استفزازا للعراقيين ودول جوار الاقليم، وهذا ما ادى الى تشكيل جبهة اقليمية ودولية معارضة من العراق وايران وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا للوقوف بوجه الاقليم سياسيا وامنيا وعسكريا واقتصاديا، وبدفع غير مباشر من شركات نفطية دولية كانت مهتمة بالمنطقة، وهذا ما ادى الى وضع حد حاسم لمشروع الاستفتاء، فكانت النتائج والافرازات والانعكاسات المأساوية قاسية ومؤذية على الحالة الحياتية لشعبنا الكردي.
والمشكلة وبسبب حالة الهيجان والانفعال التي سيطرت على الموقف في تلك الفترة، وخاصة من ناحية الممارسات الحزبية والاعلامية، فقد تعرضنا وبعض الاخرين الى مواجهات ومحاربات قاسية حملت خطورة على الحياة، بسبب دعواتنا الى التريث والابتعاد عن توتر المنطقة واللجوء الى التأجيل اوالابتعاد عن فكرة الاستفتاء في المرحلة الراهنة، وتضمنت المواجهات هجمات اعلامية وصحفية مؤذية على النفس وطاعنة في الشخصية على البعض منا، وذلك من خلال النعت بالخيانة ووصف امثالنا بمحاربي الاستفتاء «dizha refrandom» وخادم المالكي ورجل حیدر عبادي، ومن ضمنها محاربة اعلامية مكشوفة ومعلنة على فضائيات كردية ومواقع الكترونية محسوبة على البارزاني وحزبه وجماعته، ومن طرائف القدر ان الاعلام الحزبي لدعوة الاستفتاء كان يهدد المعارضين لها بالرد وبتقديمهم الى المحاكم ونفيهم الى خارج الاقليم.
والمهم في الامر، ومن باب الحكمة ان القيادة الكردية وعلى رأسها السيد البارزاني ادركت بعد الفشل السياسي للاستفتاء، ان لا مناص من التوجه الى بغداد والطرق علىى ابوابها، وايقنت ان العراق هو الحاضن الحقيقي لشعبنا الكردي والراعي لاماله واحلامه وطموحاته والحامي لحاضره ومستقبله ضمن سيادة مشتركة مصونة بالدستور الدائم، وان الطرق على ابواب انقرة وطهران وواشنطن ولندن وباريس بنية الابتعاد عن العراق لا ينفع الاقليم ولا يفيد الكرد بل فيه ضرر جسيم كما حصل من جراء الاستفتاء، ولهذا فان فتح باب التواصل والتشارك بالاستناد الى الدستور ومقومات السيادة المشتركة القائمة بين بغداد واربيل كقيلة بان تكون القاعدة الراسخة لتحقيق جميع الطموحات السياسية والاقتصادية التي يسعى اليها الاقليم، وسيكون الأساس المساعد للنهوض والبناء بالعراق الفيدرالي لصالح العراقيين ولمنفعة شعبنا الكردي.
ولكن ضمن هذا المنطلق ومن باب الحكمة والمسؤولية المحملة على اكتاف السيد البارزاني، وبسبب الاضرار والخسائر الروحية والحياتية والمعيشية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرض لها شعبنا الكردي وخسارة 51% من ارض الاقليم، بسبب انعكاسات السياسة الخاطئة لاجراء الاستفتاء، نطالب السيد مسعود البرزاني والقيادة الكردية والحزبين الحاكمين والحكومة بتقديم اعتذار رسمي شفوي ورسمي الى شعبنا الكردي والتعهد بعدم تكرار الاخطاء السياسية الاستراتيجية لضمان حماية مصير كرد العراق.
وكذلك نطالب السيد البارزاني والحكومة السابقة بتقديم اعتذار رسمي الينا نتيجة الاضرار المادية والمعنوية التي تعرض لها امثالنا خلال تلك الفترة العصيبة من حياة شعبنا، بالرغم من صحة وصواب ومصداقية الرؤى والدعوات والافكار التي طرحناها قبل الاستفتاء وتحقق التوقعات السياسية المتواضعة التي تنبأنا بها كافرازات وانعكاسات سلبية قاتلة للاصرار الاعمى على اجراء عملية الاستفتاء، وكذلك نطاللب الجهات الاعلامية (خاصة فضائية محسوبة على الرئيس الحالي لحكومة الاقليم) التي عاملتنا بعداء غير متوقع وغير مسبوق معنا مما الحق بنا اضرارا مادية ومعنوية كبيرة، علما ان الاحداث اثبتت صحة موقفنا وتحليلاتنا وواقعية قرائتنا وطروحاتنا ورؤيتنا تجاه الاستفتاء، وثبت ان ساسة كرد العراق وخاصة السيد البرزاني لم يبق امامهم سوى منفذ وحيد وهو الطرق على باب العراق وعلى ابواب بغداد العاصمة الاتحادية، وهذا ما حصل بالفعل، ونتمنى بعد بروز القناعة الجديدة وصول الحكومتين الاتحادية والاقليم في بغداد واربيل الوصول الى اتفاق حكيم يخدم الطرفين، وذلك لارساء مقومات العيش والمصير المشترك لايصال هذا البلد المتخم بالجراحات الثخينة الى بر الامان، والله من وراء القصد.

(*) كاتب وباحث سياسي
المقالات التي نشرت بخصوص استفتاء الاقليم قبل اجرائها:
ما هكذا تورد أبل الاستقلال يا مسعود برزاني
مشروع الانفصال والاعتداء على العقل الكردي
ورطة القيادة الكردية
اياكم اياكم يا شعب كردستان الانفصال عن العراق
الحلم الكردي بين الاقدام الوطني والمغامرة اللاعقلانية
مفاهيم خاطئة ومشوهة عن الاستفتاء الكردي
ضرورات كردستانية وعراقية لتأجيل استفتاء الاقليم
استقلال اقليم كردستان بين الشخصنة والانفرادية
احياء مبادرة العبور الامن لانقاذ اقليم كردستان

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة