هدى محمد حمزة
تناقش السينما في عديد اشتغالاها قضايا مهمة و خطرة، خاصة تلك التي تتعلق بحياة الانسان في بعض المجتمعات ومنها مجتمعاتنا العربية، وتطرح بعض المعلومات والحقائق والقضايا التي فرضتها ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، وانتشرت بشدة بسبب الجهل الذي يدب في بعض العقول الجرداء، وتديرها منظمات اجرامية كبرى لتدمير حياة الانسان الغير محصن ضدها، وهي من اخطر ما يصيب المجتمعات البشرية على الاطلاق بل هو العدو الاول الذي يحول دون تقدمها .
فالذعر من شغف العيش وما يمكن ان ينتج عنه يدفع الانسان الى تصرفات وانحرافات شتى تؤثر على البنية التحتية وتقوض الكثير من بديهياتها الاخلاقية والمعرفية، فتطفو على السطح عقد نفسية قد تجره الى الاثم والرذيلة او الجريمة ، وقد يولد احساس دائم بالخيبة تظهر ملامحها في عدة اوجه في بلدان العالم الثالث التي عانت قرون طويلة من القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومعالجة تلك الاورام والامراض مناطة بالدولة للحد منها بتوفير الحلول الملائمة لها، السينما سلطت الضوء على هذه المشاكل وطرحتها امام الراي العام بنية المعالجة والتحذير، المعالجة من قبل الدولة ومؤسساتها المختصة، والتحذير للمجتمع وما يمكن ان ينتج عن ذلك.
هناك مجموعة من الافلام طرحت قضايا عديدة مثل مشكلة تعدد الزوجات، مشكلة الادمان ، الزواج بالأجنبيات وما يترتب عليها او قضايا التعليم في فيلم ( البلهاء الثلاثة ) ايضا الفيلم الذي يعرض حياة جون ناش المصاب بالفصام الحائز على جائزة نوبل ، فيلم اغتيال مدرسة للمخرج أشرف فهمي، بطولة نبيلة عبيد ، فيلم ( lion ) وهو عن التفكك الاسري، فيلم( الابله ) الي يعكس المشاكل النفسية للبطل ، ايضا هناك قضية مهمة وخطيرة في الوقت نفسه قضية الاتجار بالأعضاء والتي تعد غير قانونية باستثناء بعض الدول، حيث شاعت تلك الظاهرة الشيطانية في عصرنا الراهن في السوق السوداء وبطريقة سرية يتم من خلالها اختطاف الابرياء وسرقة اعضائهم بأساليب شتى وبيعها بثمن بخس، ونادر جدا ما يكون المانح فيها على علم ، حتى اصبحت مرض عضال محمل بالموت، ما دفع بعض المهتمين بحقوق الانسان من المشتغلين بالسينما الى كشف الجسد المتعفن لقاع المدن والمناطق ذات الدخل المتدني، من هذه الافلام فلم ( العبيط والحرامي ) للمخرج محمد مصطفى ، بطولة خالد الصاوي، الذي يعرض الحوادث الاليمة التي مر بها بطل الفيلم ويوضح خيوط العقدة كلها والتي تشكل الحبكة، وهي تدور حول حرامي يعيش في بيئة بائسة يسرق ليأكل، عثر على مجنون لا يعرف عنه اية معلومة ، وحينها يتعرض الحرامي الى عدة مشاكل ادت الى فقدان احد عينيه ما جعله يأخذ قرنية من المجنون ، وبالتالي ادى هذا الموقف الى ابتزازه فقد طمع الدكتور الذي اجرى العملية بأكثر من ذلك حيث اتفق مع الحرامي على اخذ قطع غيار اخرى من المجنون المسكين مثل الكبد والكلية والرئة والشرايين مقابل مبلغ من المال ، واعتبروا المجنون فريسة سهلة ، وتتطور الاحداث حتى يقتل الحرامي بعيار ناري طائش من مسدس بيد المجنون دون ارادة منه ، اضافة الى ان المخرج حرص على ان يعرض جذور مأساة المجنون ضمنيا متداخلة بشكل فني متماسك وذكي متناغمة مع الاحداث الفاعلة ، واحدها متمثلة بخيانة الزوجة حين كان مواطن محترم قبل الجنون ، وهو بهذا يحاول تحذير المجتمع من اثار الفقر وهو ينشب اظافره في ارض الواقع والتي تمتد وتتسع وتقطع الحبل السري للعلاقات الانسانية وبالتالي يتم القضاء على شرف الوجود الانساني
من خلال ذلك يمكن لنا ان نتصور حجم الضرر النفسي الذي يصيب بعض الافراد بسبب الحاجة والعوز والتربية الخاطئة والظروف السيئة وتراكم الوهم والقلق حتى يفقد مقومات النفس القوية ويكاد لا يصلح بعد ذلك للعيش في حياة هادئة مطمئنة.
لذا فان النقص في المدخولات والحاجة يشعل بعود ثقاب ثوابت النفس البشرية المعقدة، وباعتقادي ان مثل تلك الافلام تمثل اجراس تمزق السكون والصمت وتقرع ابواب القصور ليروا من خلال بيوتهم الزجاجية متاحف المدينة الآيلة للسقوط .